من أخطأ فى قراءة سورة الفاتحة سواء ترك ترتيب قراءة الفاتحة أو أبدل حرفا بحرف أو حذف كلمة لم يقرأها ،
أو ترك تشديدة فهي بمنزلة حرفٍ فإنَّ الحرفَ المُشدَّدَ قائمٌ مقام حَرفين - لم يُعتدَّ بها ،
أو ترك حرفا مع صحة لسانه أو لحن لحناً يخل بالمعنى وهو قادر على الصواب ،
فعلى المأمومين أن يفتحوا عليه ويصوبوا له الخطأ ويجب عليه إعادة القراءة وإن لم يفعل لم تصح قراءته ولا صلاته ولا تجوز الصلاة خلفه سواء كان متعمدا أو ساهيا ،
لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة ولا تصح الصلاة إلا بها ويبقى هذا الواجب في ذمته لكونه لم يأت به على وجهه وهذا كله ينطبق على الإمام والمأموم والمنفرد .
ويُكره الإقتداء بإمام يخطىء في الفاتحة خطأ لا يغير المعنى وتصح الصلاة خلفه ولا يلزمه إعادة ما أخطأ فيه ولكن الصلاة خلف المتقن للقراءة أولى منه .
وأما إن كان خطؤه في غير سورة الفاتحة فهو منقص من الصلاة وليس مبطلا لها لأن القراءة بعد الفاتحة سنة وليست واجبة مادام لم يتعمد الخطأ والصلاة خلف المتقن للقراءة أولى منه ولا شك .
إذن يجب وجوبًا عينيًّا على كل مُصَلٍّ أن يتعلم قراءة سورة الفاتحة قراءةً صحيحةً من حيث التشكيل وعدم تغيير حرف مكان حرف أو ترك حرف،
لأن قراءتها ركنٌ من أركان الصلاة في جميع الصلوات السرية والجهرية نافلةً كانت أو فريضةً في حقِّ الإمام والمأموم والمنفرد إلا أن يعجِز عن تعلُّم ذلك بعد اجتهاده فيه ولم يقصر فى ذلك فلا يُكلِّف اللهُ نفسًا إلا وسعَها .
ودليل ذلك :
روى البخاري في صحيحه عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ .
فالفاتحة ركن من أركان الصلاة من لم يقرأ بحرف منها فإنه لم يقرأها.
قال النَّوويُّ رحمه الله :
إذا لحَن في الفاتحة لحنًا يخلُّ المعنى بأن ضمَّ تاء أنعمتَ أو كسرها أو كسر كاف إياك نعبد أو قال إياء بهمزتين لم تصحَّ قراءتُه وصلاته إن تعمَّد وتجب إعادة القراءة إن لم يتعمد.
وإن لم يخلَّ المعنى كفتح دال نعبد، ونون نستعين وصاد صراط، ونحو ذلك لم تبطُلْ صلاته ولا قراءته ولكنه مكروهٌ، ويحرُمُ تعمُّده . انتهى من (3/393) ((المجموع))
وقال أيضا رحمه الله فى المجموع :
مَن لا يُحسن الفاتحة بكمالها ، سواء كان لا يحفظها أو يحفظها كلها إلَّا حرفًا، أو يُخفِّف مُشدَّدًا؛ لرخاوة في لسانه، أو غير ذلك،
وسواء كان ذلك لخرس أو غيره، فهذا الأُمِّي والأرت والألثغ إن كان تمكَّن من التعلُّم ، فصلاته في نفسه باطلة، فلا يجوز الاقتداء به بلا خلاف،
وإن لم يتمكَّن بأن كان لسانه لا يُطاوعه أو كان الوقت ضيِّقًا، ولم يتمكَّن قبل ذلك، فصلاتُه في نفسه صحيحة، فإن اقتدى به من هو في مثل حاله، فصلاتُه صحيحةٌ بالاتِّفاق . انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله :
ومَنْ ترك حرفًا من حروف الفاتحة لعجزه عنه، أو أبدله بغيره؛ كالألثغ الذي يجعل الراء غينًا، والأرت الذي يدغم حرفًا في حرف،
أو يلحن لحنًا يُحيل المعنى؛ كالذي يكسر الكاف من ﴿ إيَّاكَ ﴾ أو يضمُّ التاء من ﴿ أَنْعَمْتَ ﴾، ولا يقدر على إصلاحه ،
فهو كالأُمِّي ، لا يصحُّ أن يأتمَّ به قارئٌ ، ويجوز لكل واحد منهم أن يَؤُمَّ مثلَه ؛ لأنهما أُمِّيَّان ، فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر ؛ كاللذين لا يحسنان شيئًا،
وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل ، لم تصحَّ صلاتُه ولا صلاةُ من يأتمُّ به . انتهى من "المغني" (2/15)
جاء في أسنى المطالب للعلامة زكريا الأنصاري رحمه الله :
ولو نسي المأموم الفاتحة أو شَكَّ في قِرَاءَتِهَا :
فإن كان قبل أَنْ يَرْكَعَ مع الْإِمَامِ تَخَلَّفَ لِقِرَاءَتِهَا ؛ لِبَقَاءِ مَحَلِّهَا، وَلَهُ حُكْمُ بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ مع سَرِيعِهَا في أَنَّهُ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ،
وَإِلَّا بِأَنْ كان التَّذَكُّرُ أو الشَّكُّ بَعْدَ رُكُوعِهِ معه، تَابَعَهُ وَلَا يَعُودُ لِقِرَاءَتِهَا؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ السَّلَامِ من الْإِمَامِ .
قال الزَّرْكَشِيُّ : فَلَوْ تَذَكَّرَ في قِيَامِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ كان قد قَرَأَهَا، حُسِبَتْ له تِلْكَ الرَّكْعَةُ . انتهى بتصرف.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
إذا كان لحنُه خفيفًا صحَّتْ صلاته إذا كان لحنه لا يغير المعنى صحَّتْ صلاتُه مثل إذا قرأ : الحمدَ لله رب العالمين . أو : الحمدِ لله رب العالمين. أو : الرحمنُ الرحيمُ . أو : مالكُ يوم الدين. ما يضرُّ هذا ما يغيِّرُ المعنى،
أما إذا كان يغير المعنى مثل : إياكِ نعبُدُ. أو : صراط الذين أنعمتُ. أو : أنعمتِ عليهم. هذا لا يجوز، لا يؤمُّ الناسَ.
أما إذا كان لحنًا خفيفًا ما يغيِّرُ المعنى... هذا لا يضرُّ لكن الأفضل أن يختاروا مَن هو أجودُ . انتهى من ((فتاوى نور على الدرب)) (11/471).
وسئل أيضا رحمه الله :
إمام يلحن في القرآن ، وأحياناً يزيد وينقص في أحرف الآيات القرآنية ، ما حكم الصلاة خلفه ؟
فأجاب :
إذا كان لحنه لا يحيل المعنى : فلا حرج في الصلاة خلفه مثل نصب ( رَبِّ ) أو رفعها في ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الفاتحة/2 ، وهكذا نصب ( الرَّحمنِ ) أو رفعه ، ونحو ذلك ،
أما إذا كان يحيل المعنى : فلا يصلى خلفه إذا لم ينتفع بالتعليم والفتح عليه ، مثل أن يقرأ ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) بكسر الكاف ، ومثل أن يقرأ ( أَنْعَمْتَ ) بكسر التاء أو ضمها ،
فإن قبِل التعليم وأصلح قراءته بالفتح عليه : صحت صلاته وقراءته ،
والمشروع في جميع الأحوال للمسلم أن يعلم أخاه في الصلاة وخارجها لأن المسلم أخو المسلم يرشده إذا غلط ويعلمه إذا جهل ويفتح عليه إذا ارتج عليه القرآن . انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " ( 12 / 98 ، 99 ).
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
إذا كان لحنه يحيل المعنى في الفاتحة أو غيرها فلا تجوز الصلاة خلفه ، ولكن يجب على أهل المسجد أن يرفعوا الأمر إلى المسؤولين عن المساجد بأن يتعدل هذا الإمام أو يبدل ،
أما كونه إماما للمسلمين في أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهو لا يحسن ما يجب من القراءة : فلا يجوز أن يكون إماما ،
ومن نصبه إماما فهو آثم آثم في حق الله ؛ لأنه ولى من ليس أهلا ، وآثم في حق المصلين ؛
لأنه إما أن يوقعهم في حرج في الصلاة خلفه ، أو يحرجهم إلى أن يطلبوا مسجدا آخر أبعد منه ويكون ذلك شاقا عليهم ". انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (182 /15) .
وقال أيضا رحمه الله :
مثال الذي يُحيلُ المعنى : أن يقول : « أَهْدِنا » بفتح الهمزة : لأن المعنى يختلف لأنَّ معناه يكون مع فتح الهمزة : أعطِنا إيَّاه هديةَّ ،
لكن " اِهْدِنَا " بهمزة الوصل بمعنى : دُلَّنا عليه ووفِّقْنا له وثبِّتْنا عليه
وكذا لو قال : ( صراط الذين أنعمتُ عليهم ) لم تصحَّ لأنه يختلف المعنى فيكون الإنعامُ من القارئ وليس من اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
ومثال الذي لا يحيل المعنى : أن يقول : « الحَمْدِ للهِ » بكسر الدال بدَلَ ضمِّها . انتهى من ((الشرح الممتع)) (3/60).
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
إذا كان إخلاله بالفاتحة يخل بالمعنى ؛ فهذا لا تجوز الصلاة خلفه إلا لمن هو مثله ؛
لأن قراءة الفاتحة على الوجه الصحيح ركن من أركان الصلاة؛ فلا تصح الصلاة خلف من يلحن فيها لحناً يخل بالمعنى؛
كما لو كان يقرأ ( أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ) : (أنعمتُ)؛ بالضم، أو : (الْعَالَمِينَ) : (العالِمين)؛ بكسر اللام ؛ هذا يخل بالمعنى ؛ فلا يجوز الصلاة خلف من هذه حاله ،
أما إذا كان اللحن لا يحيل المعنى ؛ فهذا أيضاً لا يجعل إماماً وهناك من هو أحسن منه قراءة.
وأما اللحن في غيرها من السور؛ فتصح معه الصلاة .
لكن لا ينبغي للمسلم أن يتساهل في قراءة القرآن ، بل يجب عليه قراءة القرآن بالإتقان ما أمكن ذلك على الوجه الصحيح، ولكن صلاته صحيحة، وصلاة من خلفه صحيحة إذا لحن في غير الفاتحة.
لكن إذا كان هناك من هو أحسن منه ؛ فلا ينبغي أن يُتَّخذ إمامًا ، بل يختار للصلاة الأجود قراءة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله عزَّ وجلَّ، فإن كانوا في القراءة سواء؛ فأعلمهم بالسنة ». رواه مسلم في صحيحه.
فتجويد القراءة وإتقانها أمر مطلوب، ولا فرق في هذا بين الصلاة السرية والجهرية... الكل سواء في الحكم . انتهى من (المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان)
وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
إذا أردت أن تصلي فإنك تتحرى الصلاة خلف إمام يحسن القراءة ،
وإذا علمت عن إمام أنه لا يحسن القراءة بمعنى أنه يلحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى مثل قوله (إياك نعبد) بكسر الكاف و(أنعمت) بالضم أو الكسر فلا يجوز أن تصلي خلفه ،
والواجب تنبيهه فإن أجاب فالحمد لله ، وإلا وجب عليك أن تبلغ عنه الجهة المختصة لإبداله بإمام أصلح منه " . انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (7 /348).
وسئلت اللجنة أيضا :
هل الخطأ في سورة الفاتحة يبطل الصلاة وهو أن يقول المصلي مثلاً الصراط يقول - السرات أو أنعمتُ بالضم بدلاً من أنعمت؟
فأجابت :
اللحن الذي يبطل الصلاة في الفاتحة هو : اللحن الذي يحيل المعنى، مثل : أنعمتُ عليهم بضم التاء بدل فتحها، وكذا السرات . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" ( 20133 ).
أما من أبدل الضاد بالظاء
فى قوله تعالى : [ولا الضالين] فصلاته صحيحة عند أكثر أهل العلم وذلك لتقارب مخرج الحرفين فى النطق وصعوبة التفريق بينهما .
قال ابنُ تَيميَّة رحمه الله :
وأما من لا يقيمُ قراءة الفاتحة فلا يصلِّي خَلْفَه إلَّا مَن هو مِثْلُه، فلا يصلي خلف الألثغ الذي يُبْدِل حرفًا بحرف ( إلَّا حرف الضاد) إذا أخرجه من طرَف الفَم، كما هو عادة كثير من النَّاس فهذا فيه وجهان،
منهم من قال : لا يُصلَّى خَلْفَه، ولا تصِحُّ صلاتُه في نفسه لأنَّه أبدَلَ حَرْفًا بحرف؛ لأنَّ مَخْرَج الضاد الشِّدق ومخرج الظاء طرف الأسنان، فإذا قال : (ولا الظالين) كان معناه ظلَّ يفعل كذا،
والوجه الثاني : تصِحُّ، وهذا أقرب؛ لأنَّ الحرفين في السمع شيء واحد وحِسُّ أحدهما من جنس حس الآخر لتشابه المخرجين،
والقارئ إنما يقصِدُ الضَّلالَ المخالِفَ للهدى وهو الذي يفهَمُه المستمِعُ فأمَّا المعنى المأخوذ مِن ظَلَّ فلا يخطُرُ ببالِ أحدٍ .انتهى من ((مجموع الفتاوى)) (23/350).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
الصَّوابُ عند المحقِّقينَ مِن أَهْلِ العلم : أنَّ التباسَ الضاد بالظاء لا يضُرُّ لا في الصلاة ولا في غيرها لأنَّ مَخْرَجَهما متقارب ،
وليس كلُّ أحدٍ يستطيع التمييزَ فالأمر في هذا واسِعٌ، والحمدُ لله، فلا ينبغي للقارئ ولا لغير القارئ أن يُشَدِّد في ذلك المقرئُ وغير المقرئ لا ينبغي التَّشديد في ذلك إن تيسَّرَ التمييزُ فلا بأس وإلَّا فالأمر واسِعٌ في ذلك.
وممن نبَّه على هذا الحافِظُ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لسورة الفاتحة في آخِرِها وقد بيَّن أن الصَّحيحَ أنَّه يُعفَى عن ذلك ولا ينبغي فيه التَّشديد لأن كثيرًا من النَّاسِ يلتبس عليه الأمْرُ ويصعُبُ عليه التفريق .انتهى من ((موقع الشيخ ابن باز)).
الخلاصة
المصلي الذي يخطيء في الفاتحة خطأً يُحيل المعنى كأن يترك حرفًا من حروفها أو يُبدله بغيره أو يخل بتشديدة، فهذا حاله لا يخلو من أمرين :
- إن كان قادراً على إصلاح هذا الخطأ لكنه تهاون فلا تصح صلاته ولا تصح الصلاة خلفه .
- وإن كان عاجزاً عن إصلاح الخطأ فالصحيح من كلام أهل العلم صحة الصلاة خلفه إن شاء الله تعالى لأن من صحت صلاته صحة إمامته إلا أن الأحوط والأولى أن يقدم غيره للإمامة أو أن يصلي بمن هو مثله .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق