لاشك أن الفرض أكمل وأحب إلى الله وأشد تقربا من النفل إلا في مسائل مستثناة النفل فيها أفضل من الفرض لأنه يكون شاملاً للفرض وزيادة ، وهي :
1- تقديم الوضوء على الوقت لغير المعذور مندوب وبعد دخول الوقت فرض .
المندوب هنا أفضل من الفرض لأن تقديم الوضوء فيه انتظار الصلاة ومنتظر الصلاة كمن هو فيها ولأن فيه قطع طمع الشيطان عن تثبيطه عن الصلاة.
2- إبراء المعسر عن الدين سنة وإنظاره حتى الميسرة فرض.
لقوله تعالى : " فنظرة إلى ميسرة ". ولكن الإبراء أفضل من الإنظار.
3- الإبتداء بالسلام سنة ورد السلام فرض.
لقوله تعالى : " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ". وابتداء السلام أفضل من رده لما روى ابن مسعود رضي الله عنه ـ يرفعه : إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل, لأنه ذكرهم السلام . انتهى.
ونظموا في ذلك :
الفرض أفضل من تطوع عابد
حتى ولو قد جاء منه بأكثر
إلا التطهر قبل وقت وابتداء
للسلام كذاك إبرا المعسر .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
ومن فوائد الآية الكريمة : فضيلة الإبراء، فضيلة الإبراء من الدين، لقوله : (( وأن تصدقوا خير لكم )) الإبراء سنة والإنظار واجب،
وهنا السنة أفضل من الواجب بنص القرآن ((وأن تصدقوا خير لكم )) أليس كذلك ؟ بلى، السنة الآن أفضل من الواجب بنص القرآن،
وحينئذ يرد علينا إشكال وهو كيف نجمع بين مدلول القرآن الكريم هنا وبين قوله الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي : ( ما تقرب إلى عبدي بشيء إلى أحب إلي مما افترضته عليه ) فهذا يقتضي أن الفرائض أفضل من النوافل أليس كذلك؟
وهذا لاشك فيه أن الفرائض أفضل من النوافل وإن كان الجهلة منا والسفهاء يعتنون بالنوافل أكثر مما يعتنون بالفرائض،
تجده في صلاة نافلة خاشعا يتدبر ما يقول وما يفعل وفي صلاة الفريضة على العكس ينظر إلى الساعة تارة وإلى القدم تارة ويذكر شيئا نسيه فيخرج القلم يكتب في راحته حتى لا ينسى،
وفي النفل تجده خاشعا متدبرا ما يقوله ويفعل وهذا لاشك أنه من جهلنا وإلا فالعناية بالفرائض أولى من العناية بالنوافل،
المهم كيف نجمع بين مدلول هذه الآية الكريمة وبين ما دل عليه الحديث القدسي ؟
الجواب : أن الجمع بينهما هو أنه إذا كان النفل شاملا للواجب، شاملا للواجب يعني يتضمن الواجب فهو أفضل، لأنه صار واجبا وزيادة، صار واجبا وزيادة عرفتم ؟
- طيب الإبراء يتضمن الإنظار وإلا لا؟ أي نعم فيه إنظار وزيادة أليس كذلك ؟ فيه إنظار وزيادة، إذا فنقول إنما كان أفضل لأنه مشتمل على الواجب وزيادة،
- ونظير ذلك ما قاله بعض العلماء : الوضوء ثلاثا سنة والوضوء مرة واجب، والثلاث أفضل من الواجب، كيف الثلاث أفضل من الواجب وهي سنة والواجب فريضة ؟
الجواب : لأن هذه السنة متضمنة للواجب، فهي واجب وزيادة،
- قالوا أيضا : ابتداء السلام سنة ورده فرض والابتداء أفضل من الرد، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( خيرهما الذي يبدأ بالسلام )، كيف هذا؟
والحديث : ( ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) قالوا نعم، لأن هذا الرد مبني على الابتداء، فصار الابتداء مشروعا لذاته ولغيره، لولا الابتداء ما حصل الرد،
فلما كان الرد مبنيا على الابتداء صار الابتداء هنا أفضل لأنه صار سببا وذاتا،
فهو سلام ابتدائي وسبب لواجب فأعطي فضيلة الواجب لأنه سببه وفضيلة الابتداء لأنه الابتداء، عرفتم؟ طيب. انتهى من (تفسير سورة البقرة-(76)).
وقال أيضا رحمه الله :
ابتداء السلام أفضل من الرد وإن كان الرد فرضا وهذا سنة لكن لما كان الفرض ينبني على هذه السنة كانت السنة أفضل من هذا الفرض لأنه مبني عليها .
وهذه من المسائل التي ألغز بها بعض العلماء وقال : عندنا سنة أفضل من الفريضة لأنه من المتفق عليه أن الفرض أفضل وهنا صار أفضل من رده لأن رده مبني عليه . انتهى من (شرح رياض الصالحين 529/3).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق