يُشرع للإمام والمنفرد
أن يصلي إلى سترة وأن يدنو من سترته ويكون قريباً منها بحيث يستطيع من رد المار بين يديه فتكون المسافة بين المصلي وبين سترته ثلاثة أذرع وبين موضع سجوده والسترة قدر ممر شاة .
والسنة أن يستتر المصلي بشيء قائم كجدار أو عامود أو كرسي أو صخرة أو عصى أو حربة ونحوها رجلاً كان أو امرأة في الحضر والسفر وفي الفريضة والنافلة ولا يجوز المرور بين يدى المصلي ويجب على الإمام والمنفرد دفْع المارّ ومقاتلته ومنع بهيمة الأنعام ونحوها من ذلك .
وأما المأموم فليس له اتخاذ سترة لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه أو لأن الإمام سترة له فالمأمومين إذا مر أحد من أمامهم فلا شيء عليه ولا عليهم لأن الإمام سترة لمن خلفه المهم لا يمر المار من أمام الإمام .
والدليل :
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله؛ فإنما هو شيطان . رواه البخاري
- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي . رواه البخاري
- قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن من سترته لا يقطع الشيطان عليه صلاته. ( صحيح الجامع)
- جاء في "صفة الصلاة" (ص 83، 84): " ... وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يدَع شيئاً يمرّ بينه وبين السترة، فقد "كان يصلّي، إِذ جاءت شاة تسعى بين يديه؛ فساعاها (سابقَها) حتى ألزق بطنه بالحائط، [ومرَّت من ورائه] ". أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"
قال ابنُ حزم رحمه الله :
واتَّفقوا على أنَّ مَن قرُب مِن سترته ما بين ممرِّ الشاة إلى ثلاثة أذرُع، فقد أدَّى ما عليه. ((مراتب الإجماع)) (ص 30).
قال ابنُ رشد رحمه الله :
واتَّفق العلماء بأجمعهم على استحباب السُّترة بين المصلِّي والقِبلة، إذا صلّى منفردًا كان أو إمامًا . ((بداية المجتهد)) (1/113).
وقال ابنُ قُدامة رحمه الله :
وجملته :
أنه يُستحب للمصلِّي أن يصلي إلى سُترة، فإنْ كان في مسجد أو بيت صلَّى إلى الحائط أو سارية، وإنْ كان في فضاء صلَّى إلى شيءٍ شاخص بين يديه، أو نصَب بين يديه حربةً أو عصا، أو عرض البَعير فصلَّى إليه، أو جعل رَحْله بين يديه. وسُئل أحمد: يصلي الراحلُ إلى سُترة في الحضر والسفر؟ قال: نعم، مِثل آخِرة الرَّحل. ولا نعلم في استحباب ذلك خلافًا . ((المغني)) (2/174).
قال ابن عبد البرِّ رحمه الله:
(فإذا كان الإمامُ أو المنفرد يُصلِّيان إلى سُترة فليس عليه أن يدفعَ من يمرُّ من وراء سترته... لا أعلمُ بين أهل العِلم فيه اختلافًا). ((التمهيد)) (4/188).
أما مقدار إرتفاع السترة
فهى مثل ارتفاع مؤخرة الرحل يعنى تقريبا ارتفاع شبر.
عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل . أخرجه مسلم
عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض راحلته وهو يصلي إليها. رواه البخاري
عن أبي جحيفة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمهاجرة، فأتي بوضوء فتوضأ، فصلى بنا الظهر والعصر، وبين يديه عنزة (العنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا) ، والمرأة والحمار يمرون من ورائها . رواه البخاري
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وقدر السترة في طولها : ذراع أو نحوه
قال الأثرم :
سئل أبو عبد الله عن آخرة الرحل كم مقدارها؟ قال : ذراع . كذا قال عطاء : ذراع . وبهذا قال الثوري , وأصحاب الرأي . وروي عن أحمد , أنها قدر عظم الذراع . وهذا قول مالك والشافعي
والظاهر أن هذا على سبيل التقريب لا التحديد
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدرها بآخرة الرحل وآخرة الرحل تختلف في الطول والقصر فتارة تكون ذراعا وتارة تكون أقل منه فما قارب الذراع أجزأ الإستتار به .اه "المغني" (2/38) .
وأما المسافة التى
تكون بين المصلى وسترته
يدنو المصلي من السترة بحيث لا يزيد بعده عنها بأكثر من ثلاثة أذرع .
وقد جاء فى ذلك حديثين وهما:
1- عن سهلِ بن سعد رضي الله عنه أنه قال: "كان بين مُصَلَّى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبين الجدار مَمرُّ شاةٍ". [البخاري].
2- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه. قال:عبد الله بن عمر: فسألت بلالا حين خرج: ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه -وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة- ثم صلى، وجعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع. (صحيح النسائي)
فهنا الصحيح أن نجمع بين حديث ابن عمر وحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم جميعاً فنحمل حديث ابن عمر (ثلاثة أذرع) ، على حال القيام ، وحديث سهل (ممر الشاة) على حال السجود .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْله :
( كَانَ بَيْن مُصَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْجِدَار مَمَرّ الشَّاة ) يَعْنِي بِالْمُصَلَّى مَوْضِع السُّجُود , وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّة قُرْب الْمُصَلَّى مِنْ سُتْرَته ". انتهى
قال العلامة الألباني رحمه الله:
" وكان صلى الله عليه وسلم يقف قريبا من السترة فكان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع , و بين موضع سجوده ، والجدار ممر شاة ". انتهى. "صفة الصلاة" (1/114)
المسافة التي يحرم فيها المرور
بين يدي المصلي إذا لم يكن هناك سترة
المسافة هنا ترجع إلى العرف لأنه إذا بعد عنه عرفاً لا يسمى ماراً بين يديه كالذي يَمُرّ من وراء السترة .
فعن أبي جهيم رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه، قال: أبو النضر: لا أدري، أقال أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة . رواه البخاري
قوله: ((ماذا عليه)) معناه: لو يعلم ما عليه من الإثم، لاختار الوقوف أربعين على ارتكاب ذلك الإثم، فدل على النهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك. ينظر((شرح النووي على مسلم)) (4/225)
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
إذا كان المصلي إماما أو منفردا فإنه لا يجوز المرور بين يديه لا في المسجد الحرام ولا في غيره؛ لعموم الأدلة، وليس هناك دليل يخص مكة، أو المسجد الحرام؛ يدل على أن المرور بين يدي المصلي فيهما لا يضر ولا يأثم به المار. ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/325).
قال الامام ابن باز رحمه الله:
يقول النبي ﷺ: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه يعني: من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يدي المصلي. وهو حديث صحيح.
فالواجب الحذر من المرور بين يدي المصلي إلا إذا كان أمامه سترة تمر من وراء السترة،
والسترة
مثل مؤخرة الرحل نحو ذراع أو أقل منه كالذراع إلا ربع ونحو ذلك فإذا مررت من ورائها فلا حرج عليك، أو بعيدًا عنه إذا كان ما عنده سترة تمر أمامه بعيدًا بينك وبينه ثلاثة أذرع أو أكثر بينك وبين محل قدمه ثلاثة أذرع أو أكثر،
أما إذا كان له سترة
فإنك تمر من وراء السترة ولا تمر بينه وبين السترة؛ لقوله ﷺ: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستر من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان. وقال عليه الصلاة والسلام: يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل:المرأة، والحمار، والكلب الأسود. وقال ﷺ: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستر من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان.
فالواجب على المؤمن ألا يمر بين يدي أخيه وهو يصلي، وأن يحذر ما نهى الله عنه ورسوله،
وعلى المصلي أن يضع سترة أمامه حتى لا يشق على إخوانه يضع سترة مثل كرسي مثل يصلي إلى سترة إلى سارية إلى عصا منصوبة، فإن لم يجد وضع العصا قدامه بن يديه مطروحة بين يديه أو خط بين يديه إذا كان في أرض يمكن أن يخط فيها، أو كرسي يضعه أمامه أو ما أشبه ذلك كعباءته ..... أمامه حتى يمر المار من ورائها حسب الطاقة. اه.
[ فتاوى نور على الدرب(9/ 315- 316)]
وسئل رحمه الله :
حكم وضع النعلين سترة أمام المصلي؟
فأجاب :
السنة لا، لا يجعلها أمامه، إن تيسر له سترة مثل الجدار أو سارية أو عمود عصا يطرحها، خط يخطه إذا ما وجد شيئًا، أما النعال فالسنة أن يلبسها ويصلي فيها أو يجعلها بين رجليه لا يجعلها أمامه، النبي ﷺ قال: فليصل فيهما أو ليجعلهما بين رجليه وإذا كان إمامًا أو منفردًا جعلهما عن يساره، لا يجعلهما أمامه لا. اه (فتاوى الجامع الكبير )
التحرك فى الصلاة لإتخاذ سترة
للمسبوق والمنفرد
قال الشيخ عادل العزازى حفظه الله :
قال عمر - رضي الله عنه -:
"المصلُّون أحقُّ بالسَّواري - أي: بالأعمدة - من المتحدِّثين إليها - يعني: ممن يستندون عليها للحديث - وقد رأى عمرُ رجُلاً يصلِّي بين أسطوانتين، فأدناه إلى ساريةٍ - أي: فقرَّبهُ إلى عمود - وقال له: صلِّ ها هنا". رواه البخاري تعليقًا (1/577)، ووصله ابن أبي شيبة (3/37).
وعلى هذا فيجوزُ للإنسان أن يتحرَّكَ عن موضعِهِ مِن أجل الاقتراب من سُترَة (إذا رأى نفسَه بعيدًا عن السُترَة)، وهذا لإصلاحِ الصَّلاة والمحافظةِ عليها، وذلك بأن يخطو خطوة أو خطوات،سواءٌ للأمامِ، أو للوراء، أو لأيِّ جهة، بشرطِ المحافظة على استقبالِهِ للقبلةِ، وعدم التُّحولِ عنها .اه (تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة)
وجاء في
"المدونة" (1/202) :
" وقال مالك :
إذا كان الرجل خلف الإمام وقد فاته شيء من صلاته فسلم الإمام وسارية عن يمينه أو عن يساره ، فلا بأس أن يتأخر إلى السارية عن يمينه أو عن يساره إذا كان ذلك قريبا يستتر بها , قال : وكذلك إذا كانت أمامه فيتقدم إليها ، ما لم يكن ذلك بعيدا , قال : وكذلك إذا كان ذلك وراءه فلا بأس أن يتقهقر إذا كان ذلك قليلا , قال : وإن كانت سارية بعيدة منه فليصل مكانه ، وليدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع ". انتهى .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق