يُستحب التكبير لسجود التلاوة في الصلاة في الخفض والرفع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الصلاة في كل خفض ورفع فيدخل هذا في العموم، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة .
وأما سجود التلاوة خارج الصلاة فيكبر للخفض ولا يكبر للرفع وليس فيه تشهد ولا سلام لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله مع كثرة سجوده ولو كان مشروعا لفعله وأمر به، فإذا سجد الإنسان للتلاوة رفع من سجوده واكتفى بذلك ولم يجلس للتشهد ولا يحتاج انصرافه لتسليم.
ودليل ذلك :
1- عن أبي هريرة رضى الله عنه : أنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال : ( إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ). اخرجه البخارى
فهنا اللفظ عام فيدخل فيه سجود التلاوة وهذا أيضا يدل على الجهر بالتكبير للإمام .
2- وكذلك حديث ابن مسعود : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود ويسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده . ورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يفعلان ذلك . صحيح النسائي
3 - أخرج [ابن أبي شيبة (1 /435)] عن أبي قلابة وابن سيرين أنهما قالا : إذا قرأ الرجل السجدة في غير الصلاة قال : الله أكبر، وإسناده صحيح، ورواه عبدالرزاق في المصنف (3 /349 /5930) بإسناد آخر صحيح عنهما نحوه، ثم روى التكبيرَ عند سجود التلاوة هو والبيهقيُّ عن مسلمِ بنِ يَسَارٍ، وإسناده صحيح.
وهذا الأثر جاء فى التكبير فى الخفض فقط خارج الصلاة.
قال الإمام النووي رحمه الله :
"... يستحبُّ أن يُكبِّر في الهوي إلى السجود، ولا يرفع اليد؛ لأن اليد لا ترفع في الهوى إلى السجود، ويكبر عند رفعه رأسه من السجود، كما يفعل في سجدات الصلاة،
وهذا التكبير سنَّة ليس بشرط، وفيه وجهٌ لأبي عليِّ ابنِ أبي هريرةَ، حكاه الشيخ أبو حامد، وسائر أصحابنا عنه : أنه لا يستحب التكبير للهُوي ولا للرفع، وهو شاذ ضعيف ". اهـ (المجموع شرح المُهَذَّب (4/ 63)).
وقال أيضًا رحمه الله :
" ومَن سجد فيها [ يعني الصلاةَ ]، كبَّر للهوي وللرفع، ولا يرفع يديه ". اهـ (منهج الطالبين (1/ 35)).
• علَّق الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله :
(ويُكبِّرُ) المصلِّي (كغيرِه) ندبًا (لهوي ولرفع) من السجدة (بلا رفع يد، ولا يجلس) المصلي (لاستراحة) بعدها؛ لعدم وروده . انتهى من (شرح منهج الطلاب لزكريا لأنصاري (1/ 65)).
قال ابن قدامة رحمه الله :
"(ويُكبِّر إذا سجد)، وجملة ذلك : أنه إذا سجد للتلاوة، فعليه التكبير للسجود والرفع منه، سواءٌ كان في صلاة أو في غيرها،
وبه قال ابن سيرين، والحسن، وأبو قلابة، والنخعي، ومسلم بن يسار، وأبو عبدالرحمن السُّلَمي، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي،
وقال مالك : إذا كان في صلاة، واختلف عنه إذا كان في غير صلاة". اهـ.(المغني (2/ 359)).
قال ابن مفلح رحمه الله :
"ويُكبِّر إذا سجد، ويُكبِّرُ إذا رفع، هذا هو المذهب". اهـ (المبدع في شرح المقنع (2/ 38)).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
سجدة التلاوة مثل سجود الصلاة فإذا سجد في الصلاة عند السجود يكبر وإذا رفع يكبر إذا كان في الصلاة.
أما إذا سجد للتلاوة في خارج الصلاة فلم يرو إلا التكبير في أوله هذا هو المعروف كما رواه أبو داود والحاكم.
أما عند الرفع في خارج الصلاة فلم يرو فيه تكبير ولا تسليم.
والمشروع أن يقول في سجود التلاوة خارج الصلاة مثلما يقول في سجود الصلاة من التسبيح والدعاء وليس فيها تشهد ولا تكبير عند الرفع، ولا تسليم في أصح قولي العلماء لعدم نقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى من ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/410).
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
ولكن السُّنَّة تدلُّ على أنه -أي سجود التلاوة ليس فيه تكبير عند الرَّفع ولا سلام إلا إذا كان في صلاة فإنه يجب أن يُكبِّرَ إذا سَجَدَ ويُكبِّرَ إذا رَفَعَ.
لأنه إذا كان في الصَّلاة ثَبَتَ له حُكم الصَّلاة حتى الذين قالوا بجواز السُّجود إلى غير القِبْلَة إذا كان في الصَّلاة لا يقولون بذلك.
ودليل ذلك : ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم سَجَدَ في إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ في صلاة العشاء.
وثَبَتَ عنه أنَّه كان يُكبِّر في كُلِّ رَفْعٍ وخَفْضٍ فيدخل في هذا العموم سُجودُ التِّلاوة . انتهى من ((الشرح الممتع)) (4/100).
وقال أيضا رحمه الله :
ولكن هذا الخلاف في غير ما إذا كان السجود في صُلب الصلاة،
أما إذا كان السجود في صلب الصلاة فلابد من التكبير عند السجود، وعند الرفع منه، لأنه إذا كان السجود في الصلاة صار له حكم سجود الصلاة ،
ولهذا جميع الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه الذي روى عنه أنه سجد في سورة الانشقاق في صلاة العشاء كل الذين يذكرون التكبير يقولون : إنه كان يكبر كلما خفض وكلما رفع، ولا يستثنون من ذلك شيئا،
فإذا جاءت العبارة عامة كلما خفض وكلما رفع وقد عُلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسجد سجود التلاوة في صلاة الفريضة، فإن هذا العموم يتناول سجود التلاوة،
وعلى هذا فنقول : إذا كنت في صلاة وسجدت للتلاوة فكبر إذا سجدت وإذا رفعت، وإذا كنت خارج الصلاة فكبر إذا سجدت، ولا تكبر إذا قمت ولا تسلم . انتهى من ( بلوغ المرام -شرح كتاب الصلاة-31)
وقال الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله :
... أما إذا كان الإنسان في الصلاة فالأمر في ذلك واضح، يكبر عند السجود، ويكبر عند القيام؛ لعموم ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ( أنه كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة )، وهذا من الخفض والرفع في الصلاة،
ولكن الشأن في خارج الصلاة، فهذا هو الذي يحتاج إلى أن يتحقق فيه من نسخ المستدرك... انتهى من (كتاب شرح سنن أبي داود -للعباد).
وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
يُشرَع للمصلي إذا كان إمامًا أو منفردًا، ومر بآية سجدة : أن يُكبِّر ويسجد سجود التلاوة، ثم يُكبِّر عندما ينهض من السجدة؛ لأن التكبير يكون في كل خفض ورفع،
أما إن كان القارئ خارج الصلاة ومرَّ بالسجدة، فإنه يشرع له أن يكبر ويسجد، ولا يشرع له بعد ذلك تكبير ولا سلام؛ لعدم ورود الدليل على ذلك، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (7/ 165)، الفتوى رقم (13206)
وتشرع سجدة التلاوة سواء كانت في داخل الصلاة أم في خارجها، فإذا كان خارج الصلاة فقرأ آية سجدة سن له في الحال السجود على حسب حاله إن كان قائما خر للسجود وإن كان جالسا سجد وهو جالس ولا يشترط أن يقوم واستحب طائفة القيام حينئذ .
ولا يشترط لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة من طهارة من الحدث الأصغر والأكبر واجتناب نجاسة وستر عورة واستقبال القبلة .
أما إن كان في الصلاة فقرأ آية سجدة سن له السجود من فوره ثم يعود إلى القيام مرة أخرى ويتم صلاته وهو مخير إن شاء قرأ ثم ركع أو ركع بلا قراءة .
وسجود التلاوة سنة في الصلاة السرية والجهرية إلا أن الإمام لا ينبغي له أن يسجد في الصلاة السرية لأن ذلك يشوش على المصلين ويربكهم ولذلك كره بعض الفقهاء ذلك .
فائدة :
إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أنه ركع ثم ركع بناء على أن الإمام قد ركع، فلا يخلو من حالين :
إحداهما : أن يعلم بأن الإمام ساجد وهو راكع، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد اتباعا لإمامه.
الحال الثانية : أن لا يشعر أن الإمام ساجد إلا بعد أن يقوم من السجدة وحينئذ نقول للمأموم الذي ركع ارفع الآن وتابع الإمام واركع مع إمامك واستمر وسجود التلاوة سقط عنك حينئذ لأن سجود التلاوة ليس ركنا في الصلاة حتى يحتاج أن تأتي به بعد إمامك . انتهى من (مجموع فتاوي الشيخ العثيمين 24/14.)
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق