الراجح في تفسير معنى قوله تعالى : ( سِيمَاهُم فِي وُجُوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجُودِ ). أي : علامتهم هي نور الطاعة والعبادة والسَّمْتُ الحَسَنُ وصفرة الوجه من قيام الليل وهيئةُ الخُشوعِ والخُضوعِ الباديةُ في وُجوهِهم في الدُّنيا، والبَياضُ في وُجوهِهم في الآخِرة ، ومن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار .
وليس المقصود بالآية أنها العلامة التى تظهر فى جبهة المصلي .
قال الإمام الطبرى رحمه الله فى تفسير هذه الآية :
أى أن الله تعالى ذكره أخبرنا أن سيما هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السجود ولم يخصّ ذلك على وقت دون وقت وإذ كان ذلك كذلك فذلك على كلّ الأوقات, فكان سيماهم الذي كانوا يعرفون به،
في الدنيا هى : أثر الإسلام وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته وآثار أداء فرائضه وتطوّعِه,
وفي الآخرة ما أخبر أنهم يعرفون به : وذلك الغرّة في الوجه والتحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء, وبياض الوجوه من أثر السجود. انتهى من " تفسير الطبري "
وجاء فى تفسير القرطبي رحمه الله :
قال مَنْصُورٌ : سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى " سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ " أَهُوَ أَثَرٌ يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيِ الرَّجُلِ؟
قَالَ لَا، رُبَّمَا يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيِ الرَّجُلِ مِثْلُ رُكْبَةِ الْعَنْزِ وَهُوَ أَقْسَى قَلْبًا مِنَ الْحِجَارَةِ! وَلَكِنَّهُ نُورٌ فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ الْخُشُوعِ . انتهى
وقد ذكر ابن كثير عدة أقوال في تفسير هذه الآية منها :
قيل : سيماهم في وجوههم يعني السمت الحسن. وقيل : يعني الخشوع والتواضع. وقيل : الصلاة تحسن وجوههم. ثم يقول : الغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه بالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله تعالى ظاهره للناس، كما روى عن عمر رضي الله عنه قال : من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته . انتهى من [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص: 1741].
سئل الشيخ العثيمين رحمه الله :
هل ورد أن العلامة التي يحدثها السجود في الجبهة من علامات الصالحين ؟
فأجاب :
ليس هذا من علامات الصالحين ولكن العلامة هي النور الذي يكون في الوجه وانشراح الصدر وحسن الخلق ، وما أشبه ذلك .
أما الأثر الذي يسبِّبه السجود في الوجه : فقد يظهر في وجوه من لا يصلُّون إلا الفرائض لرقة الجلد وحساسية عندهم ، وقد لا تظهر في وجه من يصلي كثيراً ويطيل السجود .انتهى من (" فتاوى إسلامية " ( 1 / 484 )).
وسئل أيضا رحمه الله :
يقول السائل قال تعالى : (( سيماهم في وجوههم من أثر السجود )) هل يقصد بهذا العلامة التي تظهر في الجبين ؟
فأجاب :
لا (( سيماهم في وجوههم من أثر السجود )) يعني علامة كثرة الصلاة في الوجه وذلك باستنارة الوجه ولأن الصلاة كما وصفها النبي عليه الصلاة والسلام : ( الصلاة نور ) يستنير بها القلب وإذا استنار القلب استنار الوجه،
ولهذا أكمل الناس نورا في الوجه هو النبي عليه الصلاة والسلام حتى إنه إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر عليه الصلاة والسلام ،
وهذا أمر مشاهد أن القلب إذا استنار استنار الوجه وإذا اغتم القلب انقبض الوجه فسيماههم في وجوههم يعني النور الذي صار في قلوبهم خرجت علاماته على وجوههم ،
أما العلامة اللي في الجبهة فهذه ليست هي العلامة لأنه قد يكون الجبهة رقيقة الجلد وإذا سجد الإنسان عليها مرتين تأثرت وقد تكون غليظة الجلد لو يسجد مئة مرة ما تتأثر ، فالحاصل أن السيماء التي للساجد إنما هي نور الوجه . انتهى من (فتاوى الحرم المكي-1407-(05)).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول : « ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة ». قالوا : وكيف تعرفهم يا رسول الله! في كثرة الخلائق؟ قال : « أرأيت لو دخلت صِيَرة فيها خيل دُهم بُهم، وفيها فرسٌ أغرُّ مُحَجَّلٌّ؛ أما كنت تعرفه منها؟ ».
قال : بلى . قال : « فإن أمتي يومئذٍ غُرٌّ من السجود، محجَّلون من الوُضوء ».
...... « من السجود »؛ أي : من أثر السجود في الصلاة.
قال تعالى : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ }.
« من الوضوء » أي : من أثر وضوئهم في الدنيا.
والمراد أنهم بِيْضُ مواضعِ السجود من الجبهة والأنف، وبِيْضُ مواضعِ الوضوء من الأيدي والأقدام .. استعار أثر الوضوء والسجود في الوجه، واليدين، والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس، ويديه، ورجليه. اهـ من «النهاية». بقليل من التصرف.
قال المناوي : « ولا تدافع بين هذا الحديث، وبين خبر الشيخين : « إن أمتي يدعون يوم القيامة غرّاً محجلين من آثار الوضوء ».
وما ذاك إلا لأن المؤمن يُكسى في القيامة نوراً من أثر السجود، ونوراً من أثر الوضوء، نور على نور، فمن كان أكثر سجوداً أو أكثر وضوءاً في الدنيا؛ كان وجهه أعظم ضياء وأشد إشراقاً من غيره،
فيكونون فيه على مراتب من عِظَمِ النور، والأنوار لا تتزاحم؛ ألا ترى أنه لو أدخل سراج في بيت؛ ملأه نوراً، فإذا أدخل فيه آخر ثم آخر؛ امتلأ بالنور من غير أن يزاحم الثاني الأول، ولا الثالثُ الثاني .. وهكذا. والوُضوء هنا بالضم، وجوّز ابن دقيق العيد الفتح على أنه الماء . انتهى من [أصل صفة الصلاة (٢/ ٧٧٤)].
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق