القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

ما حكم العمل بظاهر نصوص الكتاب والسنة؟


العمل بالظاهر واجب ما لم يقم دليل يصرفه عن ظاهره لأن الأصل عدم صرف اللفظ عن ظاهره إلا بدليل صحيح يقتضي ذلك أي يقتضي تأويله وهذا هو منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان .

ومما يدل على ذلك :

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه : أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً، قالت عائشة : فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة .

قالت : وكانت زينب امرأة صناعة اليد فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله عز وجل فبادرن يقسن أطوال ايديهن (أصل الحديث فى البخاري ومسلم).

وفى هذا الحديث دليل على أنه قد إستقر في أفئدتهن وفي الصحابة الأخذ بظاهر الأدلة .

والظاهر : هو ما دل بنفسه على معنى راجح مع احتمال غيره.

ولتوضيح ذلك :

مثال [1] : قول الله تعالى : ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾. [الفجر: 22]، فإنه ظاهر في مجيء الرب سبحانه وتعالى، ويحتمل أن يراد به أمر ربِّك، أو ملائكة ربِّك، لكنه احتمال ضعيفٌ مردودٌ.

مثال [2] : قول الله تعالى : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾. [طه: 5]، فإنه ظاهرٌ في استواء الرب سبحانه وتعالى على العرش، ويحتمل أن يُراد به الاستيلاءُ، لكنه احتمال ضعيفٌ مردود لا يوجد في لغة العرب.

مثال [3] : تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( أَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِجْلَهُ )).[رواه اليخاري]، بأن الرِّجلَ جماعةٌ من الناس، هذا تأويل فاسد؛ لأنه لا يُعرف في شيء من لغة العرب البتةَ.

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

والحديث على ظاهره وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهر الأحاديث لو احتمل اللفظ معاني بعضها أقرب إلى ظاهر الحديث وبعضها أبعد فأنت تلزم ظاهر الحديث حتى تأتيك البينة التي تخرج عنها وهذا شامل في الاعتقاد وفي الفقهيات في المسائل العقائدية وفي المسائل الفقهية 

ومن تتبع موارد ومواضع استعمال أئمة السنة في ردودهم لأهل البدع أو في بحوثهم الفقهية وخاصة مع المقلدة والمتعصبة يجد أنهم ينعون عليهم ويذمونهم بترك ظاهر الأحاديث بدون حجة ولا برهان . انتهى من [من كتاب مناقب واداب الشافعي -لإبن ابي حاتم].

وقال أيضا رحمه الله : 

".. القرآن عربي كما وصفت، والأحكام فيه على ظاهرها وعمومها ليس لأحد أن يحيل منها ظاهرا إلى بطن ولا عاما إلى خاص، 

إلا بدلالة من كتاب الله فإن لم تكن فسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تدل على أنه خاص دون عام أو باطن دون ظاهر أو إجماع من عامة العلماء الذين لا يجهلون كلهم كتابا ولا سنة،

 وهكذا السنة ولو جاز في الحديث أن يحال شيء منه عن ظاهره إلى معنى باطن يحتمله كان أكثر الحديث يحتمل عددا من المعاني، ولا يكون لأحد ذهب إلى معنى منها حجة على أحد ذهب إلى معنى غيره، 

ولكن الحق فيها واحد لأنها على ظاهرها وعمومها إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قول عامة أهل العلم بأنها على خاص دون عام، وباطن دون ظاهر، إذا كانت إذا صرفت إليه عن ظاهرها محتملة للدخول في معناها ". انتهى من [مختلف الحديث للإمام الشافعي - رحمه الله - 7/27-28 بهامش كتاب الأم].

وقال أيضا رحمه الله : 

 (( فلما احتمل المعنيين ـ يعني : الحديث ـ و جب على أهل العلم أن لا يحملوها على خاص دون عام إلا بدلالة من سنة رسول الله أو إجماع علماء المسلمين الذين لا يمكن أن يجمعوا على خلاف سنة له.

و هكذا غير هذا من حديث رسول الله هو على الظاهر من العام حتى تأتي الدلالة عنه كما وصفت، أو بإجماع المسلمين : أنه على باطن دون ظاهر، و خاص دون عام، فيجعلونه بما جاءت عليه الدلالة و يطيعونه في الأمرين جميعا )) .اهـ (حاشية الرسالة ص322).

وقال أيضا رحمه الله : 

... فكل كلام كان عاماً ظاهراً في سنة رسول الله فهو على ظهوره و عمومه، حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ بأبي هو و أمي ـ يدل على أنه إنما أريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض، كما وصفت من هذا، و ما كان في مثل معناه . اهـ (حاشية الرسالة ص341).

وقال الإمام الشاطبي - رحمه الله :

" وما فيه احتمالات لا يكون نصا على اصطلاح المتأخرين، فلم يبق إلا الظاهر والمجمل، فالمجمل الشأن فيه طلب المبين أو التوقف

فالظاهر هو المعتمد، إذا فلا يصح الاعتراض عليه لأنه من التعمق والتكلف وأيضا لو جاز الاعتراض على المحتملات لم يبق للشريعة دليل يعتمد لورود الاحتمالات وإن ضعفت، 

والاعتراض المسموع مثله يضعف الدليل فيؤدي إلى القول بضعف جميع أدلة الشرع أو أكثرها وليس كذلك بـ (اتفاق) ". انتهى من [ الموافقات 4/ 325].

قال ابن القيم رحمه الله :

الواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله، وحمل كلام المكلف على ظاهره الذي هو ظاهره، وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاطب، ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك، ومُدّعي غير ذلك على المتكلم القاصد للبيان والتفهيم كاذب عليه . اهـ (حاشية إعلام الموقعين 3/108-109).

وقال أيضا رحمه الله : 

أحكام الرب تعالى جارية على ما يظهر للعباد، ما لم يَقُم دليلٌ على أن ما أظهروه خلاف ما أبطنوه . انتهى من [إعلام الموقعين (3/ 102).].

قال العلامة الشوكاني - رحمه الله - في البدر الطالع 2/290 معلقا على كلمة أبي حيان الأندلسي :

 " لقد صدق أبو حيان في مقاله، فمذهب الظاهر هو أول الفكر وآخر العمل عند من منح الانصاف، ولم يرد على فطرته ما يغيرها عن أصلها وليس هو مذهب داوود الظاهري وأتباعه فقط، 

بل مذهب أكابر العلماء المتقيدين بنصوص الشرع من عصر الصحابة إلى الآن، وداوود واحد منهم، وإنما اشتهر عنه (الجمود) في مسائل وقف فيها على الظاهر حيث لا ينبغي الوقوف، و(أهمل) من أنواع القياس ما لا ينبغي لمنصف إهماله.

وبالجملة فمذهب الظاهر هو العمل بظاهر الكتاب والسنة بـ (جميع الدلالات)، وطرح التعويل على (محض الرأي) الذي لا يرجع إليهما بوجه من وجوه الدلالة.

وأنت إذا أمعنت النظر في مقالات أكابر المجتهدين المشتغلين بالأدلة وجدتها من مذهب الظاهر بعينه، بل إذا رزقت الإنصاف وعرفت العلوم الاجتهادية كما ينبغي، ونظرت في علوم الكتاب والسنة حق النظر كنت ظاهريا، أي: (عاملا بظاهر الشرع منسوبا إليه لا إلى داوود الظاهري)؟!، 

فإن نسبتك ونسبته إلى الظاهر متفقة، وهذه النسبة هي مساوية للنسبة إلى الإيمان والإسلام، وإلى خاتم الرسل - عليه أفضل الصلوات والتسليم -، وإلى مذهب الظاهر بـ (المعنى الذي أوضحناه)؟!...". اهـ.

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله فى "الأصل" (ص/49) :

العمل بالظاهر واجب إلا بدليل يصرفه عن ظاهره لأن هذه طريقة السلف ولأنه أحوط وأبرأ للذمة وأقوى في التعبد والانقياد . انتهى

وقال أيضا رحمه الله :

 والواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها ، ودليل ذلك : السمع، والعقل.

أما السمع : فقوله تعالى : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. [الشعراء: 192-195] وقوله : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. [يوسف: 2]. وقوله : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. [الزخرف: 3]وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي .

وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال : أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. [البقرة: 75]. وقال تعالى : مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَاالآية [النساء: 46].

وأما العقل : فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة . انتهى من (القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للعثيمين - ص(42)).

قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :

التحقيق الذي لا شك فيه، وهو الذي عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامة المسلمين : 

أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، في حال من الأحوال بوجه من الوجوه حتى يقوم دليل صحيح شرعي صارف عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح . اهـ (حاشية أضواء البيان 7/438).

و قال أيضا رحمه الله :

قد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظاهر واجب حتى يرد دليل شرعي صارف عنه، إلى المحتمل المرجوح، و على هذا كل من تكلم في الأصول . اهـ (حاشية أضواء البيان 7/443).

إذن

من قواعد أهل السنة المقررة أن الأصل أن يحمل النص على ظاهره وأن الظاهر مراد وأن الظاهر ما يتبادر إلى الذهن من المعاني وأنه لا يخرج عن هذا الظاهر إلا بدليل فإن عدم الدليل كان الحمل على الظاهر هو المتعين والحمل على خلافه تحريف،

فالنصوص الشرعية نصوص هداية ورحمة لا نصوص إضلال فلو قدر أن المتكلم أراد من المخاطب حمل كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته من غير قرينة ولا دليل ولا بيان لصادم هذا الفعل مقصود الإرشاد والهداية وأن ترك المخاطب والحالة هذه بدون ذلك الخطاب خير له وأقرب إلى الهدى .


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات