العمل بالظاهر واجب
إلا بدليل يصرفه عن ظاهره
لأن هذه طريقة السلف ولأنه أحوط وأبرأ للذمة وأقوى في التعبد والانقياد.
والظاهر:
هو ما دل بنفسه على معنى راجح مع احتمال غيره.
مثال [1]: قول الله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾. [الفجر: 22]، فإنه ظاهر في مجيء الرب سبحانه وتعالى، ويحتمل أن يراد به أمر ربِّك، أو ملائكة ربِّك، لكنه احتمال ضعيفٌ مردودٌ.
مثال [2]: قول الله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾. [طه: 5]، فإنه ظاهرٌ في استواء الرب سبحانه وتعالى على العرش، ويحتمل أن يُراد به الاستيلاءُ، لكنه احتمال ضعيفٌ مردود لا يوجد في لغة العرب.
مثال [3]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً، قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة.
قالت:
وكانت زينب امرأة صناعة اليد فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله عز وجل فبادرن يقسن أطوال ايديهن. اه
وفى هذا الحديث دليل على أنه قد إستقر في أفئدتهن وفي الصحابة الأخذ بظاهر الأدلة.
قال الإمام الشافعى رحمه الله:
والحديث على ظاهره
وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهر الأحاديث لو احتمل اللفظ معاني بعضها أقرب إلى ظاهر الحديث وبعضها أبعد فأنت تلزم ظاهر الحديث حتى تأتيك البينة التي تخرج عنها وهذا شامل في الاعتقاد وفي الفقهيات في المسائل العقائدية وفي المسائل الفقهية
ومن تتبع موارد ومواضع استعمال أئمة السنة في ردودهم لأهل البدع أو في بحوثهم الفقهية وخاصة مع المقلدة والمتعصبة يجد أنهم ينعون عليهم ويذمونهم بترك ظاهر الأحاديث بدون حجة ولا برهان .اه
[من كتاب مناقب واداب الشافعي -لإبن ابي حاتم]
قال ابن القيم:
(أحكام الرب تعالى جارية على ما يظهر للعباد، ما لم يَقُم دليلٌ على أن ما أظهروه خلاف ما أبطنوه).اه
[إعلام الموقعين (3/ 102).].
وقال العلامة العثيمين رحمه الله
فى "الأصل" (ص/49):
العمل بالظاهر واجب إلا بدليل يصرفه عن ظاهره لأن هذه طريقة السلف ولأنه أحوط وأبرأ للذمة وأقوى في التعبد والانقياد. انتهى
وقال أيضا رحمه الله:
والواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
ودليل ذلك:
السمع، والعقل.
أما السمع:
فقوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192-195] وقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. [يوسف: 2]. وقوله: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. [الزخرف: 3]. وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي.
وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. [البقرة: 75]. وقال تعالى:مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا الآية [النساء: 46].
وأما العقل:
فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة. اه
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص(42)
إذن
من قواعد أهل السنة المقررة أن الأصل أن يحمل النص على ظاهره وأن الظاهر مراد وأن الظاهر ما يتبادر إلى الذهن من المعاني وأنه لا يخرج عن هذا الظاهر إلا بدليل فإن عدم الدليل كان الحمل على الظاهر هو المتعين والحمل على خلافه تحريف فالنصوص الشرعية نصوص هداية ورحمة لا نصوص إضلال فلو قدر أن المتكلم أراد من المخاطب حمل كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته من غير قرينة ولا دليل ولا بيان لصادم هذا الفعل مقصود الإرشاد والهداية وأن ترك المخاطب والحالة هذه بدون ذلك الخطاب خير له وأقرب إلى الهدى.
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق