من ترك شرطاً من شروط الصلاة أو ركناً من أركانها جهلاً لم يلزمه القضاء ،
فالمكلّف معذوراً بجهله إن ترك شرطاً من شروط صحة الصلاة أو ترك ركناً من أركانها فليس عليه قضاء ما خرج وقته من الصلوات وعليه قضاء الصلاة التي يبلغه فيها العلم قبل خروج وقتها .
والدليل :
1- قول الله تعالى : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ. {الأحزاب:5}
2- قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْه . (صحيح الجامع رقم: (1836)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وهو حديث جليل قال بعض العلماء : ينبغي أن يُعَدَّ نصف الإسلام لأن الفعل إما عن قصد واختيار أو لا الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه فهذا القسم معفو عنه باتفاق.
وإنما اختلف العلماء : هل المعفو عنه الإثم أو الحكم أو هما معا ؟ وظاهر الحديث الأخير وما خرج عنه كالقتل فله دليل منفصل . انظر: فتح الباري : 5 / (161)
ومن أمثلة ذلك :
- كمن كان يمارس العادة السرية فترة من الزمن ويصلى بدون غسل ويظن أن الغسل فقط من الجماع .
- أو من صلى جنبا عن احتلام جاهلا بوجوب الغسل عليه .
- أو من كان يصلى صلوات وهو يمسح على الخفين من غير أن يلبسهما على طهارة جهلا .
- أو كمن صلى فترة من الزمن الصلاة قصرا جهلا بسبب المرض .
- أو كمن صلى صلاة غير صحيحة لعدم علمه بأحكام الصلاة .
- أو كمن مارس العادة السرية في نهار رمضان بجهله بحرمتها .
- أو من جامع زوجته في نهار رمضان جاهلاً تحريم ذلك .
- أو المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لإعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها.. وهكذا.
فكل هؤلاء لا يلزمهم قضاء ما فاتهم من الصلوات والصيام للعذر بالجهل.
قال ابن تيمية رحمه الله :
لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص مثل : أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص فهل عليه إعادة ما مضى؟
فيه قولان هما روايتان عن أحمد، ونظيره أن يمس ذكره ويصلي ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل عدم وجوب الإعادة لأن الله عفا عن الخطإ والنسيان ولأنه قال : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا }. [الإسراء: 15]، فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيء معين لم يَثْبُت حكم وجوبه عليه .
ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمارًا - لمَّا أجنبا فلم يصل عمر وصلى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما ،
وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لمَّا كان يُجنِب ويمكث أيامًا لا يصلي، وكذلك لم يأمر من أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر من صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء .
ومن هذا الباب، المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان :
أحدهما : لا إعادة عليها؛ كما نقل عن مالك وغيره؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني حِضت حيضة شديدة كبيرة منكرة منعتني الصلاة والصيام . أمرها بما يجب في المستقبل ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي.
وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر : أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يَبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة،
بل إذا قيل للمرأة : صلي، تقول : حتى أكبر وأصير عجوزة، ظانَّة أنه لا يُخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة، كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ، طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم .
فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات، سواء قيل: كانوا كفارًا، أو كانوا معذورين بالجهل ". انتهى من (مجموع الفتاوى (22/ 101)).
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
" للتكليف موانع منها : الجهل والنسيان والإكراه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ). رواه ابن ماجه والبيهقي. وله شواهد من الكتاب والسنة تدل على صحته.
فالجهل : عدم العلم ، فمتى فعل المكلف محرماً جاهلاً بتحريمه فلا شيء عليه ؛ كمن تكلم في الصلاة جاهلاً بتحريم الكلام،
ومتى ترك واجباً جاهلاً بوجوبه ، لم يلزمه قضاؤه إذا كان قد فات وقته ؛ بدليل أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته وكان لا يطمئن فيها ، لم يأمره بقضاء ما فات من الصلوات ، وإنما أمره بفعل الصلاة الحاضرة على الوجه المشروع...
وتلك الموانع إنما هي في حق الله لأنه مبني على العفو والرحمة ، أما في حقوق المخلوقين فلا تمنع من ضمان ما يجب ضمانه ، إذا لم يرض صاحب الحق بسقوطه والله أعلم " . انتهى من ("مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11 / 31 – 32)).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق