إذا سافر الإنسان من البلد التى صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر،
فإنه يبقى لا يفطر حتى يفطروا ولو صام واحداً وثلاثين يوماً، لأن الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس .
ولأنه بالانتقال إلى بلدهم صار واحدا منهم فيلزمه حكمهم فإن يد الله مع الجماعة، وما زاده مِن الشهر كان له نفلًا.
** ولو سافر الإنسان إلى بلد صام قبل بلده وهو قد صام ثمانية وعشرين يوماً مثلاً ، فوجدهم قد أفطروا في التاسع والعشرين بالنسبة لهم ،
فيفطر معهم وعليه قضاء يوم ، لأن الشهر القمرى لا ينقص عن تسعة وعشرين يوما ولا يزيد عن ثلاثين يومًا .
فإذا أفطر لثمانية وعشرين يوماً قضى يومين إن كان الشهر تامًّا في البلدين ، ويوماً واحداً إن كان ناقصاً فيهما أو في أحدهما.
والدليل :
1 - قال صلَّى الله عليه وسلَّم : « الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ». («السلسلة الصحيحة» (٢٢٤))،.
- قال الترمذي عقب هذا الحديث : " وفسَّر بعض أهل العلم هذا الحديث ،فقال : إنما معني هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعِظَم الناس ".انتهى.
2 - عن مسروق ، قال : دخلت على عائشة يوم عرفة ، فقالت : اسقوا مسروقا سويقا وأكثروا حلواه . قال : فقلت : إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر ،
فقالت عائشة : النحر يوم ينحر الناس ، والفطر يوم يفطر الناس. (جوَّد الألبانيُّ سندَه في «السلسلة الصحيحة» (١/ ١/ ٤٤٢)).
- قال الصنعاني في "سبل السلام"(2/72) : " فيه دليل علي أن يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس،
وأن المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره، ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية ". انتهى.
- وقال أبو الحسن السندي في "حاشيته علي ابن ماجه" بعد أن ذكر حديث أبي هريرة عند الترمذي :
" والظاهر أنَّ معناه : أنَّ هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل، وليس لهم التفرد فيها، بل الأمر فيها إلي الإمام والجماعة، ويجب علي الآحاد اتباعهم للإمام والجماعة،
وعلي هذا فإذا رأي أحد الهلال ، وردَّ الإمام شهادته؛ ينبغي أن لايثبت في حقه شئ من هذه الأمور،ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك ". انتهى.
- جاء في مغني المحتاج :
(وإذا لم نوجب على) أهل (البلد الآخر) وهو البعيد (فسافر إليه من بلد الرؤية) من صام به (فالأصح أنه يوافقهم) وجوبا (في الصوم آخرا)
وإن كان قد أتم ثلاثين، لأنه بالانتقال إلى بلدهم صار واحدا منهم فيلزمه حكمهم،
وروي أن ابن عباس أمر كريبا بذلك، والثاني يفطر لأنه لزمه حكم البلد الأول فيستمر عليه. انتهى.
- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله- فى رده على أحد الأسئلة :
إذا صمتم في السعودية أو غيرها ثم صمتم بقية الشهر في بلادكم فأفطروا بإفطارهم ، ولو زاد ذلك على ثلاثين يوماً،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ).
لكن إن لم تكملوا الشهر تسعة وعشرين يوما فعليكم إكمال ذلك ، لأن الشهر لا ينقص عن تسع وعشرين. انتهى من ("مجموع فتاوى ابن باز" (15/155)) .
- وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه فإنه يبقى معهم حتى يفطروا ؛
لأن الصوم يوم يصوم الناس ، والفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحي الناس ، وهذا وإن زاد عليه يوم ، أو أكثر فهو كما لو سافر إلى بلد تأخر فيه غروب الشمس ،
فإنه يبقى صائماً حتى تغرب ، وإن زاد على اليوم المعتاد ساعتين ، أو ثلاثاً ، أو أكثر ،
ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم ولا نفطر إلا لرؤيته ، فقال : ( صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ) .
وأما العكس:وهو أن ينتقل من بلد تأخر فيه ثبوت الشهر إلى بلد تقدم ثبوت الشهر فيه فإنه يفطر معهم ، ويقضي ما فاته من رمضان ، إن فاته يوم قضى يوماً ، وإن فاته يومان قضى يومين ،
فإذا أفطر لثمانية وعشرين يوماً قضى يومين إن كان الشهر تامًّا في البلدين ، ويوماً واحداً إن كان ناقصاً فيهما أو في أحدهما. انتهى من (" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 24 )).
** الخلاصة
الأصل أنَّ المسلم يصوم ويُفْطِر مع الجماعة وعُظْمِ الناسِ وإمامهم حيثما وُجِد، سواءٌ مع أهل بلده أو مع بلدِ غيره،
تحقيقًا لرغبة الشريعة في وحدة المسلمين واجتماعهم في أداء شعائرهم الدينية وإبعادهم عن كُلِّ ما يُفرِّق صفَّهم ويشتِّت شَمْلَهم ؛ فإنَّ يد الله مع الجماعة.
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق