* كان من هديه ﷺ قراءةَ السورة كاملة وربما قرأها في الركعتين وربما قرأ أول السورة .
* وأما قراءة أواخر السور وأوساطِها فلم يُحفظ عنه .
* وأما قراءةُ السورتين في ركعة فكان يفعله في النافلة وأما في الفرض فلم يُحفظ عنه .
* وأما قراءةُ سورة واحدة في ركعتين معاً فقلما كان يفعله.
قال ابن القيم رحمه الله :
- وكان يقرأ في الفجر
بنحو ستين آية إلى مائة آية، وصلاها بسورة ( ق )، وصلاها ب ( الروم ) وصلاها ب { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } وصلاها ب { إِذَا زُلْزِلَتْ } في الركعتين كليهما،
وصلاها ب ( المعوِّذَتَيْنِ ) وكان في السفر وصلاها، فافتتح ب ( سورة المؤْمِنِين ) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى، أخذته سَعْلَةٌ فركع.
وكان يُصليها يومَ الجمعة
ب { الم . تَنزِيلُ } [السَّجدة] وسورة { هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ } كاملتين،
ولم يفعل ما يفعلُه كثيرٌ منِ النَّاس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين، وقراءة السجدة وحدَها في الركعتين، وهو خلاف السنة.
وأما ما يظنه كثيرٌ مِن الجهال أن صبحَ يوم الجمعة فُضِّلَ بسجدة، فجهل عظيم، ولهذا كره بعضُ الأئمة قراءةَ سورة السجدة لأجل هذا الظن،
وإنما كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ هاتين السورتين لما اشتملتا عليه من ذكر المبدأ والمعاد، وخلقِ آدم، ودخولِ الجنَّة والنَّار،
وذلك ممّا كان ويكونُ في يومِ الجمعة ، فكان يقرأ في فجرها ما كان ويكون في ذلك اليوم،
تذكيرًا للأمة بحوادث هذا اليوم، كما كان يقرأ في المجامع العظام كالأعياد والجمعة بسورة ( ق ) و( واقتربت ) و( سبِّح ) و( الغاشية ).
- وأما الظهر
فكان يُطيل قراءتَها أحيانًا ، حتى قال أبو سعيد : " كانت صلاةُ الظهر تُقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله، فيتوضأ، ويدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الركعة الأولى ممّا يطيلُها ". (رواه مسلم).
وكان يقرأ فيها تارة بقدر { الم . تَنزِيلُ } وتارة ب { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } و { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } وتارة ب { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}.
- وأما العصر
فعلى النصف مِن قراءة صلاة الظهر إذا طالت وبقدرها إذا قصُرت.
- وأما المغرب
فكان هديُه فيها خلافَ عمل الناس اليوم، فإنه صلاها مرة ب ( الأعراف ) فرَّقها في الركعتين، ومرة ب ( الطور ) ومرة ب ( المرسلات ).
قال أبو عمر بن عبد البر : روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قرأ في المغرب ب ( المص ) وأنه قرأ فيها ب ( الصافات ) وأنه قرأ فيها ب ( حم الدخان )،
وأنه قرأ فيها ب { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } وأنه قرأ فيها ب { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } وأنه قرأ فيها ب ( المعوِّذتين ) وأنه قرأ فيها ب ( المرسلات)،
وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل قال : وهي كلها آثار صحاح مشهورة .
وأما المداومة فيها على قراءة قِصار المفصل دائمًا ، فهو فعلُ مروان بن الحكم ، ولهذا أنكر عليه زيدُ بن ثابت، وقال :
مَالَكَ تقرأ في المغرب بقصار المفصَّل؟! وقد رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في المغرب بطولى الطُوليين.
قال : قلت : وما طُولى الطوليين؟ قال : (الأعراف). وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن.
وذكر النَّسائي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قرأ في المغرب بسورة (الأعراف) فرقها في الركعتين .
فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورةِ من قِصار المفُصَّل خلافُ السنة، وهو فعل مروان بن الحكم.
- وأما العشاء الآخرة
فقرأ فيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ب { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } ووقَّت لمعاذ فيها ب { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } و{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } و{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } ونحوها،
وأنكر عليه قراءتَه فيها ب ( البقرة ) بعدما صلَّى معه، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء الله، وقرأ بهم ب ( البقرة )،
ولهذا قال له : « أفتان أنت يا معاذ » فتعلق النَّقَّارون بهذه الكلمة، ولم يلتفِتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها.
- وأما الجمعةُ
فكان يقرأ فيها بسورتي ( الجمعة ) و( المنافقين ) كَامِلَتَينِ و ( سورة سبِّح ) و( الغاشية ).
وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } إلى آخرها، فلم يفعله قطُّ، وهو مخالف لهديه الذي كان يُحافظ عليه .
- وأما قراءته في الأعياد
فتارة كان يقرأ سورتي ( ق ) و( اقتربت ) كاملتين، وتارة سورتي ( سبِّح ) و( الغاشية )، وهذا هو الهدي الذي استمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن لقي اللهَ عز وجل، لم ينسخه شيء.
ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده،
فقرأ أبو بكر رضي الله عنه في الفجر بسورة ( البقرة ) حتى سلَّم منها قريبًا من طلوع الشمس، فقالوا : يا خليفَة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ كادت الشمسُ تطلعُ، فقال : لو طلَعت لم تجدنا غافلين.
وكان عمر رضي الله عنه يقرأ فيها ب (يوسف) و(النحل) وب (هود) و( بني إسرائيل ) ونحوها من السور،
ولو كان تطويلُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منسوخاً لم يخفَ على خلفائه الراشدين ، وَيَطَّلعْ عليه النَّقَّارون .
وأما الحديث الذي رواه مسلم في (صحيحه) : عن جابر بن سَمُرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الفجر { ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } [ق:1] وكانت صلاته بعد تخفيفًا.
فالمراد بقوله " بعدُ " أي: بعد الفجر، أي : إنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها، وصلاته بعدها تخفيفًا.
ويدل على ذلك قولُ أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ و { وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا } فقالت :
يا بني لقد ذَكَّرْتَنِي بقراءة هذه السورة، إنها لآخِرُ ما سمعتُ من رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بها في المغرب. فهذا في آخر الأمر.
وأيضًا فإن قوله : وكانت صلاته " بعدُ " غايةٌ قد حذف ما هي مضافة إليه، فلا يجوز إضمارُ ما لا يدل عليه السياقُ ، وترك إضمار ما يقتضيه السياقُ،
والسياقُ إنما يقتضي أن صلاته بعد الفجر كانت تخفيفًا، ولا يقتضي أن صلاتَه كلَّها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفًا، هذا ما لا يدل عليه اللفظ،
ولو كان هو المرادَ، لم يخف على خلفائه الراشدين، فيتمسكون بالمنسوخ، ويدعون الناسخ.
وأمّا قولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَيُّكُم أَمَّ النَّاسَ، فَلْيُخَفِّفْ »، وقول أنس رضي الله عنه : كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخَفَّ النَّاسِ صَلاَةً في تَمامٍ .
فالتخفيف أمر نسبي يَرْجِحُ إلى ما فعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين،
فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يأمرهم بأمر، ثم يُخالفه، وقد عَلمَ أن من ورائه الكبيرَ والضعيفَ وذَا الحاجة، فالذي فعله هو التخفيفُ الذي أمرَ به،
فإَنه كان يُمكن أن تكون صلاتُه أطولَ منِ ذلك بأضعاف مضاعفة، فهي خفيفةٌ بالنسبة إلى أطول منها، وهديُه الذي كان واظب عليه هو الحاكمُ على كل ما تنازع فيه المتنازعون،
ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسولُ الله يأمرنا بالتخفيف ويؤمُّنا ب (الصافات). فالقراءة ب (الصافات) من التخفيف الذي كان يأمر به، والله أعلم .
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعين سورة في الصلاة بعينها لا يقرأ إلا بها إلا في الجمعة والعيدين ،
وأمّا في سائر الصلوات، فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنه قال : " مَا منَ المفصَّلِ سورةٌ صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا وقد سمِعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤمُّ الناسَ بها في اَلصَّلاةِ المَكْتُوبةِ ".
وكان من هديه قراءةَ السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة .
وأما قراءة أواخر السور وأوساطِها، فلم يُحفظ عنه. وأما قراءةُ السورتين في ركعة ، فكان يفعله في النافلة ، وأما في الفرض ، فلم يُحفظ عنه .
وأما حديثُ ابن مسعود رضي الله عنه : إني لأعرف النظائِرَ التي كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرُن بينهن السورتين في الركعة
( الرحمن ) و( النجم ) في ركعة و( اقتربت ) و( الحاقة ) في ركعة و( الطور ) و( الذاريات ) في ركعة و( إذا وقعت ) و( ن ) في ركعة. الحديث.
فهذا حكاية فعل لم يُعين محلَّه هل كان في الفرض أو في النفل؟ وهو محتمِل .
وأما قراءةُ سورة واحدة في ركعتين معًا، فقلما كان يفعله. وقد ذكر أبو داود عن رجل من جُهينة :
أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الصبح { إِذَا زُلْزِلَتِ } في الركعتين كلتيهما، قال : فلا أدري أنسيَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أم قرأ ذلك عمدًا.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطيلُ الركعة الأولى على الثانية مِن صلاة الصُّبح ومِن كل صلاة،
وربما كان يُطيلها حتى لا يسمَعَ وقْعَ قدمٍ ، وكان يُطيل صلاة الصبح أكثرَ مِن سائر الصلوات ، وهذا لأن قرآن الفجر مشهود، يشهده اللهُ تعالى وملائكتُه. انتهى من (" زاد المعاد " (1/209-215)).
- قال ابن تيمية رحمه الله :
والأفضل للإمام أن يتحرى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصليها بأصحابه بل هذا هو المشروع الذي يأمر به الأئمة،
كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال لمالك بن الحويرث وصاحبه : ( إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أحدكما وصلوا كما رأيتموني أصلي).
.... فينبغي للإمام أن يفعل في الغالب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في الغالب،
وإذا اقتضت المصلحة أن يطيل أكثر من ذلك أو يقصر عن ذلك فعل ذلك ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يزيد على ذلك وأحياناً ينقص عن ذلك. انتهى من ("مجموع الفتاوى" (22/318)).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق