">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الرد على من استدل بآية (لا يمسه إلا المطهرون) على منع مس المصحف لغير الطاهر


 يتداول بعض الناس أن قوله تعالى : ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ دليلٌ على تحريم مس المصحف لغير المتوضئ، وقد بنوا على ذلك أحكامًا فقهية.

◄ غير أن التحقيق العلمي يدل على أن هذا الفهم غير دقيق، وأن الآية لا تتعلق بمس البشر للمصحف، وإنما المقصود بالمطهَّرين فيها هم الملائكة فهى تصف حال القرآن في الملأ الأعلى.

✅ وفيما يلي بيان الردود المفصلة على حجج المانعين.

الرد على المانعين بقولهم إن الآية خبر يتضمن نهيًا.


✅ قال المانعون : أن المراد بقـــوله تعالى ﴿ لا يَمَـسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ أى لايمس القرآن إلا المطهرون ،والآية خبر تضمن نهياً.

✔ الجواب على ذلك : ليس بصواب فالآية على صورة الخبر ، وليست على صــورة النهى ، والأصل فى الكلام صرفه على ظاهره،

فلا يجوز أن يصرف لفـظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي ، أو إجماع متيقن ، ولم يثبت شيء من ذلك ،

والقول بأن ﴿ لا يمسه ﴾ نهي قول فيه ضعف ، و ذلك أنه إذا كان خبراً فهو في موضع الصفة، وقوله بعد ذلك : ﴿ تنزيل ﴾ : صفة أيضاً،

فإذا جعلناه نهياً جاء معنى أجنبياً معترضاً بين الصفات ، وذلك لا يحسن في رصف الكلام ، ذكره ابن عطية فى تفسيره.

 إذن، الآية جملة خبرية وليست إنشائية (أي ليست أمرًا أو نهيًا) أي لا تفيد حكمًا شرعيًا يتعلق بالمسّ والطهار.

الرد على قولهم إن المقصود بالقرآن هنا هو المصحف الذي بأيدينا.


✅ قال المانعون : أن لفظ الآية خبر، والخبر يفيد الطلب لذا القرآن هو المقصود وليس الذكر الذي في السماء لأن الملائكة مطهرون دوماً.

 الجواب على ذلك : أن الأصل في الخبر الإخبار لا الطلب ومن يصرفه عن حقيقته فهو المطالب بالدليل ولا دليل لديه، فيجب أن يبقى الكلام على ظاهره وأن تكون الجملة هنا خبريّة لا إنشائية .

الرد على قياسهم بين صحف السماء والمصحف الذي بأيدينا.


✅ قال المانعون : إذا كانت الصـــحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون ، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر.

 الجواب على ذلك : هذا قياس مع الفارق ؛ لأن هذا قياس عالم الشهادة علي عالم الغيب ،

فالملائكة ليســوا كالبشر فلا يأكلون، ولا يشربون ، ولا ينامون ، ولا يتزوجون، والله قد طهرهم من الآفات والذنوب.

الرد على استدلالهم بقوله تعالى : (فاطهروا).


✅ قال المانعون : قوله ﴿ فاطهروا ﴾ فدل على أن المحدث ليس بطاهر ، وإلا لكان ذلك أمراً بتطهير الطاهر وهذا غير مسلم. 

 الجواب على ذلك : فنقول الطاهر من المشتركات اللفظية ، يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهر من الحدث الأصغر،

ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة ، ولابد لحمله على معين من قرينة .

◄ إذاً سقط الاستدلال بالآية على منع المُحدث حدثا أصغر أو أكبر من مس المصحف، والأصل براءة الذمة. انتهى.

تفسير ابن القيم لمعنى الآية ﴿ لا يَمَـسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾.


★ قال ابن القيم رحمه الله- في تقرير دلالة الآية الكريمة على ذلك :


فصل : ثُمَّ قال تعالى : فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. [الواقعة: 78]، اختلف المفسِّرون في هذا ، فقيل : هو اللوح المحفوظ .

◄ والصحيح أنَّه الكتاب الذي بأيدي الملائكة ، وهو المذكور في قوله تعالى : فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ). [عبس: 13 - 16].

▣ قال مالك : "أحسن ما سمعت في هذه الآية - يعني قوله : لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ - أنها مثل التي في "عَبَسَ": فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ.

◄ ويدلُّ على أنَّه الكتاب الذي بأيدي الملائكة قوله : لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. فهذا يدلُّ على أنَّه بأيديهم يَمَسُّونَهُ وهذا هو الصحيح في معنى الآية.

▣ ومن المفسِّرين من قال : إنَ المراد به أنَّ المصحف لا يَمَسُّه إلا طاهرٌ.

والأوَّلُ أرْجَحُ لوجوهٍ :

أحدها: أنَّ الآية سيقت تنزيها للقرآن أنْ تنزِلَ به الشياطين، وأنَّ مَحَلهُ لا يصل إليه فيمسَّهُ إلا المطهَرون،

فيستحيل على أَخَابِثِ خلق الله - وأنجسهم أن يصلوا إليه أو يَمَسُّوه، كما قال تعالى وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ. [الشعراء: 210 - 211] .

◄ فنفَى الفعلَ وتأَتِّيه منهم، وقدرتَهم عليه، فما فعلوا ذلك ولا يليق بهم، ولا يقدرون عليه.

فإنَّ الفعلَ قد ينتفي عمَّنْ يَحْسُنُ منه، وقد يليق بمن لا يقدر عليه، فنَفَى عنهم الأمور الثلاثة.

◄ وكذلك قوله -تعالى- في سورة "عبس" : فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16). [عبس: 13 - 16]،

فوصَفَ مَحَلَّهُ بهذه الصفات بيانًا أن الشيطان لا يمكنه أن يتنزَّلَ به. وتقرير هذا المعنى أهمُّ وأجلُّ وأنفعُ من بيان كون المصحف لا يمسُّه إلا طاهرٌ...

الوجه الرابع: وهو قوله : فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)، و"المَكْنُون"المَصُون المَسْتُور عن الأعين الذي لا تناله إيدي البَشَر،

كما قال تعالى : كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49). [الصافات: 49]، وهكذا قال السلف :

قال الكلبي : " مَكْنُونٌ من الشياطين ".

وقال مقاتل :" مَسْتُور " .

وقال مجاهد : " لا يصيبه ترابٌ ولا غُبَارٌ " .

وقال أبو إسحاق : " مَصُونٌ في السماء " .

يوضِّحُهُ :

الوجه الخامس: أنَّ وَصْفَهُ بكونه " مكنونًا ": نظير وَصْفه بكونه "محفوظًا"،

فقوله عزَّ وجلَّ : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)، كقوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22). [البروج: 21 - 22]...

الوجه السابع: قوله : لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) بالرَّفْع ، فهذا خبرٌ لفظًا ومعنىً، ولو كان نهيًا لكان مفتوحًا.

◄ ومن حَمَلَ الآية على النَّهْي ، احتاج إلى صرف الخبر عن ظاهره إلى معنى النَّهْي،

والأصل في الخبر والئهْي حَمْلُ كُلٍّ منهما على حقيقته، وليس ههنا مُوجِبٌ يُوجِبُ صَرْف الكلام عن الخبر إلى النَّهْي.

الوجه الثامن: أنَّه قال : إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) ولم يقل : إلا المتطهِّرونولو أراد به مَنْعَ المُحْدِثِ من مَسِّهِ لَقَال : إلا المتطهِّرون، كما قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222). [البقرة: 222]،

وفي الحديث : "اللهُمَّ اجعَلْني من التوَّابين، واجعلني من المُتَطَهِّرين؛فـ "المُتَطَهِّر" فاعِلُ التطهير، و"المُطَهَّر" الذي طهَّرَهُ غيرُهُ، فالمتوضِّئُ ، كمتطهِّرٌ، والملائكةُ مطهَّرون.

الوجه التاسع: أنَّه لو أُريد به المصحف الذي بأيدينا لم يكن في الإخبار عن كونه مَكْنُونًا كبيرُ فائدةٍ،

إذ مجرَّدُ كَونِ الكلام مكنونًا في كتابٍ، لا يستلزم ثبوته. فكيف يُمدَح القرآن بكونه مكنونًا في كتابٍ ، وهذا أمرٌ مشتركٌ ؟!.

◄ والآيةُ إنَّما سِيقت لبيان مدحه وتشريفه ، وما اختصَّ به من الخصائص التي تدلُّ على أنَّه منزَلٌ من عند الله،

وأنَّه محفوظٌ مَصُونٌ ، لا يصل إليه شيطانٌ بوجهٍ ما، ولا يَمسُّ مَحَلَّهُ إلا المطهَّرون ، وهم السَّفَرَةُ الكِرَامُ البَرَرَةُ.

الوجه العاشر: ما رواه سعيد بن منصور في "سننه" : حدثنا أبو الأحْوَص، حدثنا عاصم الأحول،

عن أنس بن مالك في قوله تعالى : لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)، قال : "المطهَّرون الملائكة". وهذا -عند طائفةٍ من أهل الحديث في حكم المرفوع.

قال الحاكم : " تفسير الصحابة -عندنا- في حكم المرفوع "،

ومن لم يجعله مرفوعًا فلا ريب أنَّه عنده أصحُّ من تفسير مَنْ بَعد الصحابة، والصحابةُ أعلم الأمَّة بتفسير القرآن، ويجب الرجوع إلى تفسيرهم.

◄ وقال حرب في "مسائله" : "سمعت إسحاق في قوله : لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. قال:

النُّسْخَةُ التي في السماء لا يمسُّها إلا المطهَّرون. قال : الملائكة ". ينظر: ("التبيان في أيمان القرآن" (1/ 330)).

خلاصة القول :


● يتبيّن أن الاستدلال بالآية على تحريم مس المصحف لغير المتوضئ غير صحيح من جهة التفسير، لأن المراد بـ(المطهَّرون) هم الملائكة، وليس البشر.


والله اعلم

اقرأ أيضا :


أنت الان في اول موضوع
هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات