">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل سرقة الكهرباء من العداد حرام؟ إليك الجواب


 يتساءل كثيرون عن حكم سرقة الكهرباء عبر التلاعب بالعداد أو سحب التيار خلسة.

 هذه القضية تمس أصول الشريعة التي تُعظِّم المال العام وتحمي حقوق المجتمع، كما ترتبط مباشرةً بمفهوم الوفاء بالعقود والأمانة.

▣▣ ما حكم سرقة الكهرباء شرعًا؟

◄ سرقة الكهرباء، سواء بالتلاعب في العداد أو توصيلات خلفية دون علم الشركة، حرام شرعًا،

لأنها تعدٍّ على المال العام الذي تتكفل الدولة بحفظه وأكله بغير حق، وأكل أموال الناس بالباطل،

ومخالفة للقوانين التي وضعتها الدولة لحفظ المال العام، وخيانة للأمانة، وتغذية للجسم بالحرام.

قال الله تعالى:﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾. [البقرة: 188].

فالسرقة منها اعتداء على المال العام، وليس اعتداء على الحكومة أو الشركة فقط.

◄ وقد حمى الشرع المال العام بشدة، واعتبر التعدي عليه خيانة يُفضَح صاحبها يوم القيامة، كما قال تعالى:

﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. [آل عمران: 161].

ومن صور هذه الخيانة استغلال الخدمات العامة كالكهرباء والغاز دون دفع مقابلها، لما في ذلك من نقض للعقود التي أمر الله بالوفاء بها في قوله﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾. [المائدة: 1].

◄ والتلاعب بعداد الكهرباء يُعد خيانة للعقد الذي أُبرم مع شركة الكهرباء، ومخالفة للأنظمة والقوانين، وقد ورد في الحديث الشريف: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك". رواه الترمذي.

▣▣ لماذا تُعد سرقة الكهرباء اعتداءً على المال العام؟

✔ المال العام في الشريعة يُعرف بـ"مال الله" لأنه مخصص لمنفعة جميع المسلمين، وليس ملكًا لفرد بعينه ،ويتولى ولي الأمر التصرف فيها بما يخدم الصالح العام.

◄ والإعتداء عليه أعظم إثمًا من الاعتداء على المال الخاص، لأن ضرره يمس عموم الناس.

▣▣ ماذا يجب على من سرق الكهرباء؟

1- التوبة إلى الله توبة نصوحًا : لابد من التوبة الصادقة، والندم على هذا الذنب الكبير، وإزالة الوصلات المخالفة، وإصلاح العداد.

2- رد الحقوق إلى أصحابها : يجب إعادة المال إلى شركة الكهرباء، وإن لم يعرف المبلغ تحديدًا، فعليه أن يقدره ويتصدق به إن تعذر إيصاله للشركة.

▣▣ أدلة شرعية على تحريم سرقة المال العام:

1 - قوله تعالى : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[البقرة:818].

◄ فيدخل فى أكل المال بالباطل : (السرقة) التي هى من الذنوب العظيمة التي حرَّمها الله ورسوله ورتب عليها الحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة.

 قال القرطبي رحمه الله - فى تفسيره : والمعنى : لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق ، فيدخل في هذا : القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق ، وما لا تطيب به نفس مالكه...انتهى.
 
2 - قال النبي ﷺ : ( أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ )صحيح الترمذي.

 فيجب الوفاء بالعقود حيث إن ربط البيوت وغيرها مع الشركة التي تزودها بالكهرباء،

هو عقدٌ شرعيٌ والوفاء به فرض ويحرم شرعًا مخالفة هذا الاتفاق، لعموم قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ }. [المائدة:1].

3 - قال النبي ﷺ : ( إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ). رواه البخاري.

 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : « يتخوضون أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل ... ». انتهى من [ فتح الباري (6 /219)، باختصار].

4 - وقال النبي ﷺ : ( وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ). رواه مسلم.

 فالذي يتعامل مع التيار الكهربائي بغير الطرق المشروعة لا يُحِبُّ أن يطَّلِعَ عليه الناس، لأنه يشعر بالإثم في داخله.

▣▣ أقوال العلماء حول سرقة الكهرباء:

 سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

حكم أخذ الكهرباء بغير إذن الشركة المسؤولة؟

فأجاب :

لا يجوز هذا أخذ بغير حق، لا بد أن تراجع الجهة المسئولة عن ذلك حتى تسمح، الله حرم على العباد دماءهم، وأموالهم، وأعراضهم، وهذا داخل في الأموال، 

خطب النبي ﷺ الناس في حجة الوداع وقال في يوم عرفة، وفي يوم النحر على رءوس الأشهاد يخاطب الناس :

إن الله حرم عليكم، دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم؛ عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.

هكذا قال النبي ﷺ للناس على رءوس الأشهاد يوم عرفة ويوم النحر، وقال عليه الصلاة والسلام : كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه.

فليس لأحد أن يأخذ من مال غيره بغير حق لا شركة، ولا حكومة ولا غير ذلك. انتهى من (فتاوى نور على الدرب).

 وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :

 سرقة الماء طبعاً في بلد فيها دولة حكومية، وهي توفر الماء للمواطنين بطريق سد المواسير وغيره من هذه المعدات؟

فأجاب :

لا يجوز، السرقة كلها حرام، ويجب أن يكون أفراد الشعب متجاوبين مع الحكومة ما دام أنها تحقق مصالحهم، وتخدمهم، ولا يجوز أن تكفر هذه النعمة،

لأن الله يقول : { هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ }[الرحمن: ٦٠]فالسرقة كلها حرام، وهذا من هذا، ولا يجوز في الإسلامانتهى من (الهدى والنور- 057 ).

★ وسئل أيضا رحمه الله :

 حتى لو كان فيه ظلم من هذه الحقوق على هذا الشعب من ناحية رفع الأسعار، حتى في أشياء أخرى غير الماء؟

فأجاب :

 الأفراد ليس هم الذين يقدرون الظلم، والقضية قضية نسبية، وهب أن هناك ظلماً وهذا لا تخلو منه طبعاً دولة أو حكومة لا تحكم بما أنزل الله،

لكن هذا لا يعني أن يصبح الأمر فوضى وكل فرد ينظر بمنظاره الخاص،  ويقول : هذا ظلم فأنا لا أدفعه،

وحينئذٍ يكثر الفساد في الأرض بسبب ارتكاب الناس لمثل هذه الآراء الفجة التي ليس عليها دليل إلا اتباع الأهواء. انتهى من (الهدى والنور / ٥٧/ ٥٦: ٥١: .. ).

 وقد سئلت اللجنة الدائمة :

هل يجوز التحايل للامتناع عن دفع فاتورة الكهرباء أو الماء أو التليفون أو الغاز أو أمثالهما ؟ علما بأن معظم هذه الأمور تتولاها شركات مساهمة يمتلكها عامة الناس .

فأجابت :

لا يجوز ؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل ، وعدم أداء الأمانة ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ).

وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/441) .

▣▣ الرد على شبهة : " الدولة لا تعطينا حقوقنا وأنها تظلمنا".

✅ حتى إن ظن بعض الناس أن الحكومة ظالمة أو ترفع الأسعار، فهذا لا يبيح سرقة المال العام.

◄ فلا يجوز شرعًا سرقة الكهرباء بحجة الظلم أو ارتفاع الأسعار، لأن هذه الموارد ملك عام لعامة المسلمين، والاعتداء عليها هو اعتداء على حقوق الجميع.

▣▣ هل حديث: (المسلمون شركاء في الماء والنار...) يُبيح سرقة الكهرباء؟

✅ الجواب: لا يصح الإعتماد عليه ، لأن المقصود بالحديث هو فيما لم يُملك ،

والماء والكهرباء يجري عليهما المِلك، كما هو متعارف عليه، لذلك هذه الأشياء إذا حيزت وجُمعت ، جاز بيعها ، كأن يباع الماء في قوارير مثلا .

★ قال العلامة بدر الدين العيني :

والمراد : شركة إباحة لا شركة ملك، فمَن سبق إلى أخذ شيء منه في وعاء أو غيره وأحرزه فهو أحق به، وهو ملكه دون سواه. ينظر: ("عمدة القاري" (12/ 190، ط. دار إحياء التراث)).

▣▣ واجب الحكومات تجاه المواطنين:

التيسير وعدم التعسير: رفع الكلفة المعيشية قدر المستطاع.

الشفافية في التسعير: بيان عناصر التكلفة وتوفير شرائح مخفَّضة لذوي الدخل المحدود.

حسن الرقابة: منع الفساد الداخلي ليطمئن المواطن إلى عدالة الفاتورة.

▣▣ خلاصة القول:

▪️ سرقة الكهرباء حرام شرعًا وقانونًا، ولا تبررها الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية.

▪️ وهي من صور أكل المال بالباطل، والغش، وخيانة الأمانة.

▪️ والتوبة منها واجبة، ويجب إعادة الحقوق لأصحابها.

 هل لديك سؤال شرعي مشابه؟ اطرحه في التعليقات لنساعدك بالإجابة الموثوقة.


والله اعلم



هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات