السؤال : هل يصح أن يدعو المسلم بـ: " اللهم اسقنا من يد النبي ﷺ شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا "؟
✔ الجواب المختصر: نعم، يجوز الدعاء بذلك، ولا حرج شرعي في الدعاء بأن يُسقى المسلم من يد النبي ﷺ عند الحوض يوم القيامة، طالما وردت عدة روايات تدل على ذلك.
أدلة مشروعية الدعاء بالشرب من يد النبي ﷺ:
✅ ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال : " أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا ((أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ)) اخْتُلِجُوا دُونِي،
فَأَقُولُ : أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي يَقُولُ : لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ". (رواه البخاري ( 6642 ) ومسلم ( 2297 ) .
- «(حتى إذا أهويت لأناولهم): يعني لأسقيهم من حوضي».
◄ دل هذا الحديث على : أن النبي ﷺ يسقي الناس بيده، ومن أنكر ذلك -والله أعلم- فإنكاره غير صحيح.
○ تنبيه : قد جاء الحديث فى بعض الروايات بلفظِ : «حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ (أتناولهم)». ولكن لفظ: (حتى إذا أهويت لأناولهم) هو أصح الروايات من غيره.
أقوال العلماء في المسألة :
★ بوَّب الإمام ابنُ حبانَ في «صحيحه» (14/ 371) على بعض الأحاديث الواردة في الحوض بقوله:
«ذِكْرُ تَفَضُّلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى صَفِيِّهِ ﷺ بِإِعْطَائِهِ الْحَوْضَ ((لِيَسْقِيَ مِنْهُ أُمَّتَهُ)) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ بِمَنِّهِ». اهـ.
★ وقال القاضي عياض في «مشارق الأنوار على صحاح الآثار» (2/ 32، 273):
«وَقَوله (أهويت لأناولهم): أَي أملت أسقيهم بِيَدَيَّ». اهـ.
★ وقال العينيُّ في «عمدة القاري» (24/ 176):
« قوله (فَرَطُكُمْ) -بفتح الفاء والراء وبالطاء المهملة- أي: أنا أتقدمكم، و(الفَرَطُ) : مَن يتقدمُ الواردين، فَيُهَيِّىءُ لهم الإرشاءَ، والدلاءَ، وعدد الحياض ((ويسقي لهم)) ». اهـ.
★ وقال المناوي في «التيسير بشرح الجامع الصغير» (2/ 129) :
«الْحَوْض : أَي حَوْضه الَّذِي ((يسقى مِنْهُ أمته)) يَوْم الْقِيَامَة». اهـ.
★ وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
« هذا الحديث يدل على حرص النبي -ﷺ- على أمته وأنه يتقدمهم على الحوض ((ليسقيهم))؛
جعلني الله وإياكم ممن يسقيهم، ولكنه يؤتى إليه باقوام يقتطعون دونه ولا يتمكن من سقيهم ». انتهى من «شرح صحيح البخاري»/«كتاب الفتن والأحكام» – شريط رقم (1) الوجه (أ) دقيقة (00:07:33).
الرد على من كره هذا الدعاء :
بعض العلماء كرهوا الدعاء بذلك لأسباب، من بينها:
1- عدم التصريح بسقيا النبي في بعض الروايات.
2- كثرة آنية الحوض قد توحي بعدم الحاجة للتناول من يد النبي ﷺ.
3- أن الشرب متعلق بورود الحوض، لا بالسقيا منه مباشرة.
4- ادعاء أن ذلك لا يليق بمقام النبوة، فكأنَّ النبيَّ ﷺ إنما هو سَقَّاء! يسقيهم الماء.
✔✔ ولكن تم الرد على هذه الإعتراضات تفصيليًا، ومنها :
1- أن أحاديث كثيرة تدل على قيام النبي ﷺ بسقاية بعض الناس بيده.
✅ فقد ثبت عن النبيِّ -ﷺ- في إحدى روايات الحوض قولُهُ: " أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا ((أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ)) اخْتُلِجُوا دُونِي،
فَأَقُولُ : أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي يَقُولُ : لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ". (رواه البخاري ( 6642 ) ومسلم ( 2297 ) .
★ قال الإمام أحمد -كما ذكر ابن تيمية في «الإخنائية» لابن تيمية ص (290) نقلاً عن «منسك المروذي»-:
«ثم ائت الروضة -وهي بين القبر والمنبر-، فصل فيها وادع بما شئت، ثم ائت قبر النبي -ﷺ- فقل:
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ... اللهم احشرنا في زمرته، وتوفنا على سنته، وأوردنا حوضه، ((واسقنا بكأسه)) مشربًا رَوِيًّا لا نظمأ بعدها أبدًا». اهـ.
2- أن كثرة الآنية لا تنفي أن يسقي النبي ﷺ بعض أمته بنفسه.
◄ فكثرةُ آنيةِ الحوض لا تعني أن النبي ﷺ لا يسقي، بل يسقي مَن استطاع، والباقون يشربون بأنفسهم.
◄ ولم يقل أحد إن الشرب يقتصر على أن يكون بيده ﷺ فقط، لأن ذلك متعذر عقلاً، وإن كان أمر الآخرة لا يُقاس بأمور الدنيا، فكل شيء ممكن، والله أعلم.
3- الإعتراض بأن الأحاديث علقت الشرب بورود الحوض لا بسقيا النبي ﷺ مردود؛
لأنه قد جاء في حديث سهل بن سعد : أن من ورد على النبي ﷺ شرب. (أخرجه البخاري في «صحيحه» (6583).
◄ فقد علق الشرب هاهنا بالورود على النبي ﷺ ، ولا تنافِي بين الأمرين،
إذ الأحاديث تدل على أن الشرب يكون لكل من ورد على الحوض أو على النبي ﷺ، ولا حصر في أحدهما دون الآخر.
4- أن قيام النبي ﷺ بالسقيا تشريف وفضل، لا نقص.
✅ ففي صحيح مسلم (1218) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في حجة النبيِّ -ﷺ -؛ قال:
« فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ : " انْزِعُوا، بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ" فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ ».
✔ قوله: (فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ): معناه لولا خوفي أنْ يعتقدَ الناسُ ذلك مِن مناسكِ الحجِّ، فيزدحمون عليه -بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاءِ-؛
لاستقيتُ معكم لكثرةِ فضيلةِ هذا الاستقاءِ، (وفيه فضيلةُ العمل في هذا الاستقاءِ)». انتهى من «المنهاج» (8/ 194) باختصار.
◄ فإذا كان قيام النبي ﷺ في الدنيا بسقاية زمزم كان شرفًا وفضلاً، وقد رغب فيه لكرامته، فقيامُه في الآخرة بسقاية الناس من حوض الكوثر أولى وأعظم فضلًا وتشريفًا.
▣▣ الخلاصة :
🔹 الدعاء بالشرب من يد النبي ﷺ جائز.
🔹 ولا يصح الإنكار على من يدعو بـ: "اللهم اسقنا من يد نبيك شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا".
والله اعلم
اقرأ أيضا :
.webp)
تعليقات
إرسال تعليق