لا يصح القول بسُنية وضع اليدين على الصدر بعد الركوع، لأنه لا يُوجد دليلٌ صحيح يدلّ على ذلك،
ولم ينقل عن أحد من السلف وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع.
* لذلك ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية وقول عند الحنابلة إلى أنّ إرسال اليدين بعد الرفع من الركوع هو السنة النبوية.
** وإليك الرد على من قال بسُنية وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع.
- قال العلامة الالباني رحمه الله :
وضع اليدين بعد الركوع في القيام القصير هذا لم يرد حديث صحيح صريح عن النبي ﷺ أنه وضع اليمنى على اليسرى بعد أن رفع رأسه من الركوع،
ولذلك فهذا القول لا يُعرف أو بالأحرى لا يثبت عن أحد من السّلف الصالح ولا التابعين ولا أتباعهم وفيهم الأئمة الأربعة المجتهدون،
لا يعرف عنهم رواية ثابتة ومتداولة في كتب أتباعهم الذين يروون عنهم أقوالهم وفتاويهم، أن أحدا منهم قال بأن وضع اليدين بعد الركوع سُنة كما هو شأن في وضعهما قبل الركوع،
ليس هناك أي حديث ولو جاء الحديث صحيحا وصريحا لسارعنا إليه لأن الأئمة كلهم أجمعوا على قوله " إذا صح الحديث فهو مذهبي "،
ولكن بعض العلماء المتأخرين يتمسكون بحديث في سنن النسائي من حديث وائل بن حجر قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إذا قام في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى )، فأخذوا من قول الراوي في هذا الحديث ( إذا قام في الصلاة ) ( قام في الصلاة )،
بلا شك من الناحية العربية يشمل القيام الأول والقيام الثاني لأنه حينما يرفع رأسه من الركوع يظل قائما،
ففهم من هذا الحديث أن هذا القيام الثاني فيه وضع أيضا لليدين كما هو الشأن في القيام الأول،
ولكن هناك من علماء الأصول، أصول الفقه قواعد وضوابط وضعوها لكي لا يلتبس الأمر على طالب العلم.
إذا جاء حديث بتعبير بدنا نتكلم الآن يعني ببعض المصطلحات الفقهية ولا بد أنه فيكم إن شاء الله طلاب علم أقوياء فسيفهمون علينا بإذن الله ما نقوله من هذه الحيثية،
إذا جاء حديث مطلق في بعض الروايات ثم جاء مقيداً في رواية أخرى، فلا يجوز أن نأخذ من الحديث الأول المطلق على إطلاقه،
وإنما نأخذه مقيداً بالحديث الثاني الذي فيه تقييد للحديث الأول، هذا بلا شك من قرأ علم أصول الفقه يفهمه مني.
ولكن سأوضحه ببعض الأمثلة وبما يتعلق بنفس الصلاة بل ما يتعلق بنفس وضع اليدين:
- لاحظوا أنه هنا حديث وائل كان إذا قام في الصلاة فذكر القيام في الصلاة، انظروا الآن في حديث آخر في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي قال:
" كانوا يؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة "، ما ذكروا القيام فهنا الصلاة مطلقة فيدخل فيها غير القيام أيضا،
مثلا أنت جالس بين السجدتين فأنت في صلاة وحديث البخاري يقول، " كانوا يؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة "
فأنت جالس بين السجدتين في الصلاة فهل تضع اليدين هكذا بين السجدتين، الجواب لا، لم ؟
لأن الحديث مطلق يشمل القيام ويشمل القعود الذي ليس فيه سنة،... أقول بين السجدتين ليس هناك سنة نصت على هيئة خاصة لليدين،
فلماذا لا يضعون اليمنى على اليسرى بين السجدتين إعمالا لمطلق قوله في حديث سهل في الصلاة؟!،
- ما ذكروا القيام كذلك في حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح ابن حبان ( إنا معشر الأنبياء أمرنا بثلاث بأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ) ...
ما أحد يقول أنه يُشرع أن نضع اليدين في الصلاة ونحن في غير القيام،.... ما هو جوابهم عن هذين الحديثين؟
قالوا نقول في الصلاة يعني في قيام الصلاة ليه ؟ لأنه قيّدت الصلاة في أحاديث الرواية الأخرى بالقيام، وهذا هو الجواب العلمي الصحيح .
إذًا لنقول: فلنقل في حديث وائل بن حجر كان إذا قام في الصلاة، نقول القيام الأول مش هذا قيام مطلق لم؟
لأنه جاء بيانه في حديث وائل بن حجر في صحيح مسلم، روى مسلم في صحيحه عن وائل بن حجر:
أنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاءه والوقت بارد في الشتاء فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه ثوب ويرفع يديه،
حينما دخل في الصلاة قال الله أكبر ورفع يديه تحت الثوب ووضع اليمنى على اليسرى ثم ذكر ثم ركع ثم رفع رأسه من الركوع وقال سمع الله لمن حمده ثم سجد.
فنجد في هذا الحديث وهو يتابع وصف صلاة الرسول عليه السلام، فنجد في هذا الحديث أمرين اثنين:
أولا : قيّد القيام الذي ذكر في الحديث الأول بأنه القيام الأول.
ثانيا : لما جاء بذكر القيام الثاني بعد الركوع، ما ذكر هذاك الوضع الذي فهموه من الحديث المطلق في لفظة القيام،
إذًا قوله عليه الصلاة والسلام، قول الراوي عن الرسول عليه السلام أنه كان إذا قام في الصلاة قام هنا يعني القيام الأول ليه؟
لأنه الأحاديث يفسر بعضها بعضا، فكما فسّرنا حديث سهل بن سعد أنهم كانوا يؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى، وحديث الأنبياء أمروا بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة،
فسّرنا الصلاة هنا في القيام أي في الصلاة قياما،
كذلك نفسّر القيام المذكور في هذه الفوائد كان إذا قام في الصلاة بالقيام الأول يُفسر بعضها بعضا....
ثم ذكر الشيخ مثالا آخر فلتراجعه ثم قال : كذلك نحمل مطلق القيام في حديث وائل كان إذا قام على القيام المقيّد في حديث مسلم.
وبذلك يتبيّن أن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو الوضع في القيام الأول،
وهذا هو السبب أنه لا نجد في بطون علماء المسلمين قاطبة من الأئمة الأربعة وغيرهم، رواية ثابتة عن أحدهم أن من السنة وضع اليمنى على اليسرى في القيام الثاني. انتهى باختصار من (فتاوى الكويت - شريط : (7)).
- وقال أيضا رحمه الله :
....ولا يخالف هذا ما نقله الشيخ التويجري في رسالته (ص 18-19) عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: " إن شاء أرسل يديه وإن شاء وضعهما "،
لأنه لم يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما قاله باجتهاده ورأيه ، والرأي قد يخطئ،
فإذا قام الدليل الصحيح على بدعية أمر ما – كهذا الذي نحن بصدده، فقول إمام به لا ينافي بدعيته، كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه،
بل إنني لأجد في كلمة الإمام أحمد هذه ما يدل على أن الوضع المذكور لم يثبت في السنة عنده ، فإنه مخير في فعله وتركه !.
فهل يظن الشيخ الفاضل أن الإمام يخير أيضاً كذلك في الوضع قبل الركوع ؟! فتبث أن الوضع المذكور ليس من السنة ، وهو المراد. انتهى باختصار من (سلسلة الهدى والنور- شريط "الأجوبة الألبانية على أسئلة أبو الحسن الدعوية").
- وقال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله- في شرحه لكتاب "صفة صلاة النبي" :
....حديث سهل بن سعد :" كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ".
هو نص مطلق إذ أطلق القيام ولم يقيده بقبل الركوع أو بعده، والنص المطلق يثبت حكمه على فرد شائع في أفراده دون استغراق جميع أفراده التي يصلح لها،
والفرد الشائع من القيام في الصلاة هو قيام القراءة في أوّل الصلاة دون سواه فوضع اليدين إنما يشرع في ذلك القيام دون غيره.
و يتأيد هذا ببيان أنه هو مراد وائل رضي الله عنه في قوله : " إذا كان قائما في الصلاة "،
ويبين أن ذلك مراده ويفسر أنه إنما أراد قيام القراءة لا غير، وعليه فإن وضع اليدين على الصدر إنما يكون في قيام القراءة لا غيره .
..... ومن ذلك ما نقله الحافظ ابن حَجَر في "فتح الباري" (2/ 310، ط. عالم المعرفة) فقال :
قال ابن رُشيد : إذا أُطلق في الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد، فالمراد به : جلوس التشهد. انتهى كلامه باختصار.
** وأما الاستدلال بحديث أبي حميد الساعدي عند البخاري برقم (828) وفيه : ” … فإذا رفع رأسه استوى ، حتى يعود كل فقار إلى مكانه …”
قالوا : يعني – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مكانه الشرعي السابق ، فيشمل هذا موضع اليدين السابق أيضًا .
وبنحو ذلك في رواية: ” حتى يعود كل مفصل أو عظم إلى موضعه ” .
فالجواب عن ذلك :
هو استدلال في غير محله : لأن " الفقار " جمع " فقارة " وهي عظام الظهر . . . والمراد بذلك كمال الاعتدال . . . أي: حتى تعود كل عظمة من عظام الظهر مكانها. انتهى ملخصاً من " الفتح " ( 2 /308 / 309 )
** وأما رواية : " حتى يعود أو يقع كل مفصل أو عظم موقعه " .
فالجواب عليها بما يلي :
- المراد بذلك عظام الظهر كما في الرواية السابقة.
- هذا الحديث دليل على وجوب الإعتدال بعد الرفع من الركوع ، فإنه لا صلاة لمن لم يُـقم صلبه ،
وموضوع النزاع لا قائل بوجوب الضم فيه ،
فلو كانت هذه الرواية دليلاً في موضوع النزاع للزم من استدل بها على ذلك ، أن يقول بوجوب أو ركنية ذلك ، ولا قائل به،
بل العلماء على استحباب القبض أو الضم في القيام الأول ، فما ظنك بالقيام الثاني ؟. انتهى.
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق