إذا كان الشراب قصيراً لا يغطي الكعبين أو كان فيه شقوقٌ ممزق أو كان خفيفا ومادام اسم الشراب باقياً، فيجوز المسح عليه،
لأنه ليس هناك دليل على اشتراط السِّتر المحكم الذي لا يبدو فيه شيء من القدم أو اشتراط أن يكون الشراب سميكا.
** فلا يُشترط أن يكون الشراب ساتراً لمحل الفرض أثناء المسح عليه،
لأنه لا دليل على هذا الشرط، وكل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل،
فنقول لمن ادَّعى شرطاً من الشروط هذه المذكورة في كتب الفقه على الخلاف الذي بينها نقول لهم { هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ }.[البقرة: ١١١] .
** إذن إذا كان اسم الشراب ما دام باقياً فإنه يجوز المسح عليه، لأن السنة جاءت بالمسح على الشراب على وجه مطلق،
وما أطلقه الشارع فإنه لا يصح لأحد أن يقيده ، فيمسح على القدم إذا كانت مستورةً ،
ولا يلزم أن يكون السَّاتر قد أغلق على العضو إغلاقًا تامًّا لا يبدو منه شيء .
** فالرخصة في النصوص جاءت عامة في المسح على الشراب ، وليس فيها اشتراط أن يكون الشراب ساترا لمحل الفرض،
فلو كان ثمة حد محدود لما أهمله عليه الصلاة والسلام ولا أغفله، فوجب أن كل ما يقع عليه اسم خف أو شراب أو لبس على الرجلين، فالمسح عليه جائز .
** كما أنه لا يوجد إجماع في هذه المسألة على عدم الجواز، لأن العبرة فى الإجماع يكون بقول علماء جميع الأمة، وليس اتفاق المذاهب الأربعة ، ولأن العصمة إنما هي للكل لا البعض.
* قال ﷺ : ( من اشترط شرطا ليس فى كتاب الله , فهو باطل وإن كان مائة شرط ). متفق عليه.
قوله (فهو باطل) أي : مردود على صاحبه ولا يحكم له به.
- قال ابن بطال : المراد بكتاب الله هنا حكمة من كتابه أو سنة رسوله، أو إجماع الأمة. انتهى.
** فكل المروي في المسح على الجوربين مرفوعاً إلى النبي ﷺ ليس فيه قيد ولا شرط ولا يفهم ذلك لا من منطوقه ولا من مفهومه ولا من إشارته،
وجلي أن النصوص تحمل على عمومها إلى ورود مخصص وعلى إطلاقها حتى يأتي ما يقيدها، ولم يأت هنا مخصص ولا مقيد لا في حديث ولا أثر .
** وإليك كلام أهل العلم
- قال الإمام الثوري رحمه الله :
امسح عليها ما تعلقت به رجلك ، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة؟!. ينظر: [مصنف عبد الرزاق- الصنعاني رقم (753)].
- قال الإمام ابن حزم رحمه الله :
مسألة : فإن كان الخفان مقطوعين تحت الكعبين فالمسح جائز عليهما ، وهو قول الأوزاعي ، ..
قال علي : قد { صح عن رسول الله ﷺ الأمر بالمسح على الخفين ، وأنه مسح على الجوربين } ،
ولو كان ههنا حد محدود لما أهمله عليه السلام ولا أغفله،
فوجب أن كل ما يقع عليه اسم خف أو جورب أو لبس على الرجلين فالمسح عليه جائز ،
وقد ذكرنا بطلان قول من قال : إن المسح لا يجوز إلا على ما يستر جميع الرجلين والكعبين. ينظر: (المحلى)(2/103).
* نقل ابن مفلح في الفروع (1/197)، والمرداوي في الإنصاف (1/405):
أن شيخ الإسلام ابن تيمية : كان يُجوّز المسح على الملبوس ولو كان دون الكعب. انتهى.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فلما أطلق الرسول الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب،
وجب حمل أمره على الإطلاق، ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي ..
إلى أن قال : فأي خف كان على أرجلهم دخل في مطلق النص. ينظر: (الفتاوى الكبرى/كتاب الطهارة/(7)).
- وقال أيضا رحمه الله :
أصحاب النّبيّ - ﷺ - الذين بلَّغوا سنَّته وعملوا بها ؛ لم يُنْقَل عن أحدٍ منهم تقييد الخفِّ بشيء من القيود،
بل أطلقوا المسح على الخفّين، مع علمهم بالخفاف وأحوالها، فعُلم أنَّهم كانوا قد فهموا عن نبيِّهم جواز المسح على الخفّين مطلقاً .
وأيضاً ؛ فكثير من خفاف النّاس لا يخلو من فتق أو خرق يظهر منه بعض القدم، فلو لم يجز المسح عليها؛ بطل مقصود الرخصة،.. ينظر: ("الفتاوى" (21/ 175)).
- وقال أيضا رحمه الله :
النبيُّ ﷺ قد أمر أمَّتَه بالمسحِ على الخفَّين...
ولم يقيِّد ذلك بكونِ الخفِّ يثبُت بنفسه أو لا يثبُت بنفسه، وسليمًا من الخَرقِ والفَتق أو غيرَ سليم،
فما كان يُسمَّى خفًّا ولَبِسه النَّاسُ ومشَوا فيه، مَسَحوا عليه المسحَ الذي أذِنَ اللهُ فيه ورسولُه،
وكلُّ ما كان بمعناه مُسِح عليه ، فليس لكونِه يُسمَّى خفًّا معنًى مؤثِّرٌ، بل الحُكمُ يتعلَّق بما يُلبَس ويُمشى فيه. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (19/242).
- وقال أيضا رحمه الله :
المسحُ على الخفَّين قدِ اشتَرَط فيه طائفةٌ من الفُقَهاءِ شَرطينِ:
هذا أحدُهما : وهو أن يكونَ ساترًا لمحلِّ الفَرضِ، وقد تبيَّن ضَعْفُ هذا الشَّرْطِ. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (21/183).
- قال الشيخ الألباني رحمه الله :
فالقول بأن الجورب يُشترط فيه كذا وكذا من شروط، من ذلك أن لا يصل الماء كما ذكرنا،
من ذلك أن يستطيع أن يمشي كذا مسافة على الجورب، ومن ذلك أن يقف ساقه ولا يتدلّى إلى ما تحب الكعبين،
كلها أراء واجتهادات لا نشك بأن الذين قالوها أرادوا بالأمة خيرا، ولكن ما ليس في كتاب الله ولا في سنّة رسول الله ﷺ،
فلا يجوز أن نَشُقّ على المسلمين بأمرهم بها وفيما جاءنا عن رسول ﷺ ما يكفي،
وليس هناك أيُّ شرط في المسح على أي نوع من هذه الأنواع سوى شرط واحد وهو ميسّر مذلّل ألا وهو :
اقتصار المسح على الممسوح عليه من الجوربين أو الخفين أو النعلين يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها فقط، هذا هو الشرط الذي جاء في السنّة،
ولو كان هناك شرط بل شروط أخرى لذكرها رسول الله ﷺ حكاية عن ربه (( وما كان ربك نسيا )). ينظر: (فتاوى جدة-(19)).
- وسئل الشيخ العثيمين رحمه الله :
في جورب يصير تحت الكعبين يجوز المسح عليه ؟
الشيخ :
..والقول الثاني : يجوز ما دام باق على اسمه والرِجل تنتفع به يجوز المسح عليه. ينظر: (زاد المستقنع-كتاب الطهارة-(10)).
- وقال أيضا رحمه الله :
الخف القاصر : إن عد خفا فهو خف مثل لو كان يظهر الكعب لكنه يسمى خف يمسح عليه. ينظر: (زاد المستقنع-كتاب الطهارة-(10)).
- وسئل أيضا رحمه الله :
فيما اشترطه بعض العلماء من كون الجورب والخف ساترين لمحل الفرض؟
فأجاب :
هذا الشرط ليس بصحيح لأنه لا دليل عليه، فإن اسم الخف أو الجورب ما دام باقياً فإنه يجوز المسح عليه،...
.. لأن كثيراً من الصحابة كانوا فقراء، وغالب الفقراء لا تخلوا خِفافهم من خروق،
فإذا كان هذا غالباً أو كثيراً في قوم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يُنبّه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، دلّ ذلك على أنه ليس بشرط،
ولأنه ليس المقصود من الخف ستر البشرة، وإنما المقصود من الخف أن يكون مدفئاً للرجل، ونافعاً لها، وإنما أجيز المسح على الخف، لأن نزعه يشق،
وهذا لا فرق فيه بين الجورب الخفيف والجورب الثقيل، ولا بين الجورب المخرق والجورب السليم،
والمهم أنه ما دام اسم الخف باقياً، فإن المسح عليه جائز لما سبق من الدليل. ينظر: (مجموع فتاوى العثيمين - المجلد الحادي عشر - باب المسح على الخفين).
والله اعلم
وللفائدة ..
تعليقات
إرسال تعليق