لا تجوز طاعة الوالدين إذا أمرا بحلق اللحية وليس هذا من العقوق لأنه طاعة في معصية الله وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ». والله سبحانه يقول : ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ . [الطلاق : 4 ]. فإعفاء اللحية واجب وحلقها محرم كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول اللهﷺ فقد أمر بذلك ولا يخرج الأمر من الدلالة على الوجوب إلى الندب والإستحباب إلا بقرينة تدل عليه ولا توجد قرينة تدل على الندب أو الاستحباب بل إن القرينة قائمة وقاطعة بأن الأمر على الوجوب .
ولكن عليك بنصح والديك برفق ولين وبيان الحكم الشرعي لهما مع الدعاء لهما بالهداية والرشاد .
قال الشيخ أبو بكر الطرطوشي في كتاب " بر الوالدين " :
" لا طاعة لهما في ترك سنة راتبة ، كحضور الجماعات ، وترك ركعتي الفجر ، والوتر ، ونحو ذلك ، إذا سألاه ترك ذلك على الدوام بخلاف ما لو دعواه لأول وقت الصلاة وجبت طاعتهما ، وإن فاتته فضيلة أول الوقت " . انتهى نقلا عن " الموسوعة الفقهية الكويتية " (8/71) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
أقول : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
قل لأبيك : طاعة ربك أولى بي من طاعتك، فإذا أردت مني أن أُطِيعك اتباعاً مني لربي، فعليك أنت ان تُطِيع ربي، وأن لا تأمرني بمعصيته؛ وفي هذه الحالة أنا أجمع بين طاعتين : طاعةً لربي، وطاعةً لك، فإن اضطررتني إلى مخالفتي لله، وذلك سيحرمني من خدمتك، فهذا ما جنيته بنفسك على نفسك ثم علي .
يجب أن تُفَهِّمه الحكم الشرعي، ولكن بلطف شديد جداً جداً، وليس بشدة وقسوة كما يفعل كثير من الشباب الملتزم، متذكراً معي قول الله عز وجل : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. فإذا : أنت فعلت هذا، فتكون قد أعذرت إلى أبيك، والمسؤولية إنما تقع عليه وليس عليك . انتهى باختصار من (الهدى والنور / ٥٦٤/ ٥٥: ٥٠: ٠٠)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
لا يجوز لك طاعة والدك في حلق اللحية، بل يجب توفيرها وإعفاؤها، لقول النبي ﷺ : أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين. ولقوله ﷺ : إنما الطاعة في المعروف .
وإعفاء اللحية واجب وليس بسنة حسب الاصطلاح الفقهي؛ لأن الرسول ﷺ أمر بذلك، والأصل في الأمر الوجوب، وليس هناك صارف عنه . انتهى من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (377/8)).
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
لا شك أن رضا الله عز وجل مقدمٌ على رضا غيره، وطاعة الله سبحانه وتعالى مقدمةٌ على طاعة غيره، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولهذا قال الله تعالى في حق الوالدين مخاطباً الولد : {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}. ففي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز للمرء أن يطيع والديه في معصية الله سبحانه وتعالى، فأنت حين هداك الله ـ وأسأل الله لي ولك التثبيت على هدايته ـ حين هداك الله إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية ووجدت من والديك مضايقة، فإني أنصحك أن تصبر وتحتسب على هذه المضايقة، وتستمر في اتباع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، ولو غضب لذلك والداك.
وإني أنصح والديك -أمك وأباك- بأن يتقيا الله عز وجل، وأن يكونا عوناً لابنهما على طاعة الله لا أن يكونا منفرين له عن طاعة الله سبحانه وتعالى بهذه المضايقة وأقول لهما : إن منة الله على ابنكما بالتزام الشريعة هو من حظكما ومن توفيقكما؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له».
فنصيحتي لكما أيها الأبوان أن تتقيا الله عز وجل وأن تشجعا ابنكما وكذلك سائر أولادكما على طاعة الله عز وجل، وأن تريا أن هذا من نعمة الله عليكما وتحمدا الله على هذه النعمة وتسمرا في تنشيط أولادكما على طاعة الله سبحانه وتعالى . انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [74])
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :
حلق اللحية حرام، وإعفاؤها واجب كما عرفت وطاعة الخالق مقدمة على طاعة المخلوق ولو كان أقرب قريب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما تكون طاعة المخلوق في المعروف فقط،
وما ذكرته عن والديك من الزعل، والغضب من إعفائك اللحية إنما هو بدافع العاطفة، والخوف عليك مما أصيب به غيرك من الأحداث. ولكن تلك الإصابات إنما كانت في الغالب من الإثارة، والخوض في الفتن لا من أجل إعفاء اللحية فقط، ولذلك تجد الإصابات أخذت في طريقها جماعة ممن يحلقون لحاهم، فعليك أن تثبت على الحق، وتستمر في إعفاء لحيتك طاعة لله وإرضاء له، ولو غضب المخلوق، وأن تجتنب موارد الإثارة والفتن، وتتوكل على الله، وترجوه أن يجعل لك مخرجا من كل ضيق؛ قال الله تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} وقال : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }. ونوصيك ببر الوالدين، والاعتذار إليهما بالرفق، والأسلوب الحسن . اهـ . (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/ 171- 174))
أما إن كان هناك سببا مباشرا للتعرض للأذى والخطر على دين المسلم أو ماله أو نفسه أو عرضه كالقتل أو التشريد أو الحبس أو التعذيب فإن حلقها يكون ضرورة عند جميع المذاهب والضرورات تبيح المحظورات وذلك إن لم يُدفع الأذى بتخفيف اللحية. قال الله تعالى : لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. {البقرة:286}، وقال تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . {البقرة:173}.
أما مجرد المضايقة والسؤال والتحقيق فإن هذه الأمور لا يسلم منها حالق اللحية ولا تجيز لصاحبها الوقوع في الإثم فيجب أن نتقبل ذلك ونحتسب عند الله مانلقى فهذه ضريبة الإيمان وثمن الجنة ولو أنا كلما أحسسنا بالأذى تراجعنا في التزامنا لم نلبث أن ننسلخ من شعائر ديننا الظاهرة .
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق