يُستحب الإتيان بالصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد الأول والدعاء بعده فهو أمر مسنون مشروع لعموم الأحاديث الواردة فى ذلك وعدم تقييدها بتشهد دون تشهد ،
ولا دليل تقوم به الحّجة يصلح لتقييد العمومات الواردة فى ذلك كما أن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله صلى الله عليه وسلم فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه.
وهو مذهب الإمام الشافعى واختيار ابن حزم والآجرى وابن باز والألبانى.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فى التشهد الأخير فهى واجبة على الصحيح فمن تركها ناسيا فعليه سجود السهو ، وإن طال الفصل سقط عنه السجود وتمت صلاته ، ومن تركها متعمدا فقد بطلت صلاته .
ودليل ذلك :
1- عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال : " أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده ، فقال : يا رسول الله ، أما السلام عليك، فقد عرفناه
فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك؟ قال : فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلمحتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ، فقال :
( إذا أنتم صليتم علي فقولوا : اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى ال محمد ، كما صليت على إبراهيم وال إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي ، كما باركت على إبراهيم وعلى ال إبراهيم، إنك حميد مجيد ).صحيح الجامع" (672) .وجوَّد إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/134)، وحسَّنه ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/167)، وصحَّحه السخاوي على شرط مسلم في ((القول البديع)) (53)،
فهذا نص عام لم يقيد بتشهد دون تشهد.
وقد جاءت أحايثُ كثيرة في الصلاة عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهّد، وليس فيها أيضاً التخصيصُ المشارُ إِليه، بل هي عامّة تشملُ كل تشهُّد، وقد أوردْتها في الأصل تعليقاً،
ولم أورِدْ شيئاً منها في المتن؛ لأنَّها ليست على شرطنا، وإن كانت من حيث المعنى يقوّي بعضها بعضاً،
وليس للمانعين المخالفين أيُّ دليل يصحّ أنْ يُحتَجّ به، كما فصّلته في "الأصل"،
كما أن القول بكراهة الزيادة في الصلاة عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأوّل على " اللهمّ صلّ على محمّد "، ممّا لا أصْل له في السنّة ولا برهان عليه،
بل نرى أنّ من فعَل ذلك لم يُنفِّذْ أمْر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتقدّم : " قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ... " إِلخ . ينظر: (تمام المنه للشيخ الالبانى)
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره فيبعثه الله عز وجل لما شاء أن يبعثه من الليل
فيستاك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة ويحمد الله ويصلي على نبيه ويدعو بينهن ولا يسلم تسليما
ثم يصلي التاسعة ويقعد وذكر كلمة نحوها ويحمد الله ويصلي على نبيه ويدعو ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين وهو قاعد. (صحيح النسائي (1719 )).
ففي حديث عائشة دلالة صريحة على أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ذاته صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول كما صلى في التشهد الآخر،
وهذه فائدة عزيزة فاستفدها وعض عليها بالنواجذ ولا يقال : إن هذا في صلاة الليل لأننا نقول : الأصل أن ما شرع في صلاة شرع في غيرها دون تفريق بين فريضة أو نافلة فمن ادعى الفرق فعليه الدليل . ينظر: ( تمام المنة للشيخ الألبانى ص ٢٢٤)
3- حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: " كنّا لا ندري ما نقول في كلّ ركعتين غير أنْ نسبّح، ونكبّر، ونحمد ربّنا، وأنّ محمّداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم فواتح الخير وخواتمه، فقال :
" إِذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا : التحياتُ لله، والصلوات، والطيبات. السلام عليك أيها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله. وليتخيّر أحدكم من الدعاء أعجبه إِليه، فليدْع الله عزّ وجلّ ". ("صحيح سنن النسائي" (1114) وغيرهما، وانظر "الصحيحة" (878).).
فهذا صريح بتخيُّر الدعاء في كلّ ركعتين والدعاء إِنما يكون بعد الصلاة على النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والدعاء بعد التشهد الأول قال به مالك كما في العتبية ونقْلِ ابنِ نافعٍ عنه، وقال به ابن دقيق العيد من الشافعية كما في التلخيص الحبير لابن حجر بالإضافة إلى ابن حزم الذي نقل الألباني عنه ذلك.
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول في كل صلاة غير الصبح تشهدان : تشهد أول وتشهد آخر،
إن ترك التشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ساهيا لا إعادة عليه ، وعليه سجدتا السهو لتركه ". انتهى . ("الأم" (1/228))
وقال ابن القيم رحمه الله :
لأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله صلى الله عليه وسلم فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه ،
ولأنه مكان شرع فيه التشهد والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير . ينظر : ((جلاء الأفهام)) (ص: 359).
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله فى كتابه نيل الأوطار :
ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف ، وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير،
وغاية ما استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث ابن مسعود هذا ، وليس فيه إلا مشروعية التخفيف ، وهو يحصل بجعله أخف من مقابله - أعني : التشهد الأخير-،
وأما أنه يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه ؛ فلا ، ولا شك أن المصلي - على أحد التشهدات ، وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كان مسارعاً غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير ؛ بالتعوذ من الأربع ، والأدعية المأمور بمطلقها ومقيدها فيه ".انتهى.
وقال العلامة ابن باز رحمه الله :
أما في التشهد الأول فالأفضل أن يصلي على النبي ﷺ لعموم الأحاديث لما سئل ﷺ، قيل : يا رسول الله! أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك -وفي لفظ قال : في صلاتنا- قال :
قولوا : اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد،
ثم قال : والسلام كما علمتم، يعني : في قوله : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فهذا يدل على أنه مشروع في التشهدين الأول والأخير، هذا هو الصواب . انتهى من (فتاوى نور على الدرب).
وقال أيضًا رحمه الله :
وإنْ ترَك الصلاة على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد التشهُّد الأوَّل فلا بأس؛ لأنَّه مستحبٌّ وليس بواجب في التشهُّد الأول . انتهى من ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/14).
وسئل العلامة الألباني رحمه الله :
حكم التشهد في التشهد الأول الصلاة على الرسول عليه السلام هل هي مكروهة و ما الدليل وهل يكمل المصلي التحيات بالصلاة على الآل ؟
الجواب :
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة ليس لها محل إلا التشهد ثم التشهد كما هو معلوم تشهدان في الرباعية والثلاثية،
فاتفق العلماء على أن التشهد الأخير هو موضع للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واختلفوا في التشهد الأول هل تشرع الصلاة على الرسول عليه السلام أم لا ؟
فالأحناف كرهوا ذلك كراهة تحريمية ، الشافعية رأوا ذلك مسنونا مشروعا.
وهذا الذي لا نشك فيه مطلقا لأن الأحاديث التي جاءت في شرعية الصلاة على الرسول عليه السلام في السلام مطلقة لم تقيد بالتشهد الثاني ،
وهذا بحث يأخذ من الوقت شيئا كثيرا ولكن أكتفي بهذا الإيجاز مع حديث صريح في الموضوع وهو من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في بعض أحاديثها لما وصفت صلاة النبي صلى عليه وآله وسلم في الليل:
أنه صلى تسع ركعات جلس على الركعة الثامنة وتشهد وصلى على النبي صلى عليه وآله وسلم ثم قام إلى الركعة التاسعة.
فهذا نص صريح في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الذي قبل الأخير والذي ليس فيه سلام غيره ؟
و الصلاة على النبي صلى عليه وآله وسلم ينبغي أن لا نجعلها بتراء وإنما كاملة يعني كما يقول المذهب الشافعي أنه يقول : اللهم صل على محمد ولا يذكر الآل إذا قال وعلى آله محمد ثم يقوم.
نقول لم تأت الصلاة هكذا لكن جاءت صيغ متعددة بعضها فيها طول
وبعضها فيها قصر ،
فإذا كان الإنسان يصلي وراء إمام وسريع القراءة ليس بطيئها فهو قد جرب بأنه لا يكاد ينتهي هو من التشهد إذا يكون قام الإمام
ففي هذه الحالة يختار المصلي أقصر صيغة على النبي صلى الله عليه و سلم الثابتة عنه وقد كنت جمعتها في كتابي صفة صلاة النبي صلى عليه وآله وسلم فأقصرها أن يجمع بين قوله الصلاة والتبريك :
( اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت وباركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) هذا أقصر شيء جاء فإن استطاع أن يتمم فبها وإلا يتابع الإمام و ليس عليه شيء.
و إنما إذا صلى هو إماما أو صلى منفردا فينبغي أن يحافظ على الصلاة على النبي صلى عليه وآله وسلم حتى في التشهد الأول لأن هذه الصلاة أكمل ،
والبحث هذا طويل ويكفي أن تتذكروا حديث الصحابي لما نزل قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما )) قالوا : " يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟
" قالوا هذا السلام قد عرفناه يعني السلام في التشهد يعني كل سلام في التشهد معه صلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم ( قولوا اللهم صل على محمد ... ) إلى آخر الحديث وإلى اختلاف الروايات كما قلنا آنفا منها الطويل ومنها القصير . انتهى من (متفرقات للألباني-(177)).
وقال الشيخ حسين العوايشة حفظه الله فى كتابه الموسوعة الفقهية :
قال شيخنا في "الصحيحة" (878) بعد أن ذكر الحديث السابق ( حديث عبد الله ابن مسعود ) :
" وفي الحديث فائدة هامّة؛ وهي مشروعية الدعاء في التشهد الأول، ولم أر من قال به من الأئمّة غير ابن حزم، والصواب معه، وإِنْ كان هو استدل بمُطْلَقات يمكن للمخالفين ردّها بنصوص أخرى مقيّدة،
أمّا هذا الحديث فهو في نفسه نصّ واضح مفسّر لا يقبل التقييد، فرحم الله امرَأً أنصف واتبع السنة ". انتهى.
ثمَّ وجدت في "صحيح سنن النسائي" (1115) حديثاً في غاية التصريح والتبيين عن عبد الله قال : "علَّمنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهّد في الصلاة، والتشهّد في الحاجة،
فأمّا التشهّد في الصلاة : التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، إِلى آخر التشهّد".
وكلمة إِلى آخر التشهّد؛ توضّح أنَّ الصلاة على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه، لأنّه ذكَر التحيات كاملة، فلم يبق إلاَّ الصلاة على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وبالله التوفيق. انتهى.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (7 / 13) السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 7917 )
ما هي صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول في الصلاة الرباعية والثلاثية أفتونا جزاكم الله خيرا؟
الجواب :
هي كما في التشهد الأخير لعموم الأحاديث الواردة في ذلك، ومنها ما رواه الإمام مسلم وأحمد والنسائي رحمهم الله…..وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى.
وجاء أيضا فى فتاوى اللجنة الدائمة (24 / 160) :
كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيوضح ذلك ما ورد في (الصحيحين) عن كعب بن عجرة رضي الله عنه :
« أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه قال : (( قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد »
أو غير ذلك مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، وليس لذلك وقت مخصص ، بل يقال في التشهد الأول والأخر ، وعند سماع اسمه أو قراءته ، أو عند ذكره صلى الله عليه وسلم . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى.
وأقصر الصيغ الصحيحة فى الصلاة على النبى ﷺ، هى :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا التَّسْلِيمُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ : " قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ". (رواه البخاري).
وأما أقوى أدلة المانعين من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلى على نفسه في التشهد الأول هو حديث عبد الله ابن مسعود : كان النبي إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرَّضْف.
ولكن هو حديث ضعيف لا يصح الإحتجاج به فقد ضعفه الإمام الألباني والشيخ أحمد شاكر والشيخ شعيب الأرناؤوط.
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق