الصحيح أن هجرة النبي ﷺ من مكة إلى المدينة كانت في شهر ربيع الأول ولم تكن في شهر الله المحرم، فلا علاقة بين بداية السنة الهجرية وبين الهجرة .
** ولكن استقر رأي الصحابة رضى الله عنهم على أن يكون أول السنة الهجرية هو شهر الله المحرم، وذلك :
- لأنه حين ينتهي الناس من موسم الحج وينصرفوا عنه.
- لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم ، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة ،
فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هو هلال المحرم فناسب أن يُجعل مبتدأ.
ودليل ذلك :
1- عن عُروة بن الزُّبير قال : سمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة، فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة،
فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم، أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب،
فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح،
فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين، حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول . (صحيح البخاري).
2- روى البخاري في صحيحه (3934) : عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : ( مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ ).
- جاء في "معارج القبول" للشيخ الحكمي رحمه الله :
وكانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.
قال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا مطر بن الفضل حدثنا روح بن عبادة حدثنا هشام حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة, فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه, ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين, ومات وهو ابن ثلاث وستين. انتهى.
- وقال ابن هشام في "السيرة الحلبية" :
حتى هبط بهما بطن رئم ثم قدم بهما قباء على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين، حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل. انتهى.
- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" :
وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة فقال : كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة :
مولده ومبعثه وهجرته ووفاته ،
فرجح عندهم جعلها من الهجرة لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة ،
وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه ، فانحصر في الهجرة.
وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم،
إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة ، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ ، وهذا أقوى ما وفقت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم .
وذكروا في سبب عمل "عمر" التاريخ أشياء :
منها ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي: أن أبا موسى كتب إلى عمر:
إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ ، فجمع عمر الناس ، فقال بعضهم : أرخ بالمبعث ، وبعضهم أرخ بالهجرة ، فقال عمر : الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها ، وذلك سنة سبع عشرة.
فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان . فقال عمر : بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم ، فاتفقوا عليه. انتهى.
- قال العلامة العثيمين رحمه الله :
إن المسلمين حين كثروا وانتشروا في الأرض وحدثت لهم معاملات وأحوال غير الحال الأولى احتاجوا إلى أن يجعلوا تاريخا يمشون عليه،
وكان ذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمنهم من قال : نبتدئ تاريخ السنة من ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي أول ما نزل؛
ولأنه الشهر الذي هاجر فيه صلى الله عليه وسلم ووصل إلى المدينة وكون الدولة والأمة،
ولكن استقر الرأي على أن يكون أول السنة شهر المحرم لأنه حين ينتهي الناس من موسم الحج وينصرفوا عنه .
والحج كما نعلم هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فيكون المسلمون قد أنهوا هذا الركن العظيم واستراحوا بعده ولاسيما فيما سبق من الزمن،
حيث كانوا يتعبون في الوصول إلى مكة وفي الرجوع منها، فرأوا أن ابتداء السنة يكون في الشهر المحرم، وهذا الرأي رأي موفق وسديد،
ولا ينبغي لنا نحن معشر المسلمين أن نتحول عنه إلى تاريخ الأمة الكافرة التي تبني ميقاتها على أشهر وهمية ليس لها أصل وإنما هي اصطلاحية فقط،
ثم ينبغي لنا أيضاً ألا نعتبر السنوات الميلادية؛ لأن لدينا السنوات الهجرية التي هي رمز عزتنا وقوتنا وكرامتنا... انتهى من (لقاء الباب المفتوح _ (26/3)).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق