بسط الله الأرض ووسعها ليحصل بها الإنتفاع لمن حلّها ولا يلزم من ذلك نفي كرويتها،
لأن الكرة العظيمة لعظمتها ترى كالسطح المستوي، فالأرض جسم عظيم والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح.
* وكروية الأرض ليست فقط حقيقة علمية مقطوعا بها، بل هي محل إجماع نقله بعض أهل العلم من مئات السنين قبل ظهور وكالة ناسا.
ومما يدل على ذلك :
1- قوله تعالى : ( وكل في فلك يسبحون ). سورة يس
قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره : يعني : الليل والنهار ، والشمس والقمر ، كلهم يسبحون ، أي : يدورون في فلك السماء. قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : في فلك بين السماء والأرض. رواه ابن أبي حاتم ، وهو غريب جدا ، بل منكر. قال ابن عباس وغير واحد من السلف : في فلكة كفلكة المغزل. انتهى
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : الشَّمْسُ بِمَنْزِلَةِ السَّاقِيَةِ، تَجْرِي بِالنَّهَارِ فِي السَّمَاءِ فِي فَلَكِهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ جَرَتْ بِاللَّيْلِ فِي فَلَكِهَا تَحْتَ الْأَرْضِ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْ مَشْرِقِهَا، قَالَ : وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ. (تفسير القرآن العظيم لابن كثير -رقم : 6/353 - خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح).
3- وقال أيضا في قولِه تعالَى : " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " : يدورون في فلكةٍ كفلكةِ المِغزلِ. (مجموع فتاوى ابن عثيمين- رقم : 74/1 - خلاصة حكم المحدث : [مشهور عن ابن عباس]).
- وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في " العظمة " ، عن ابن عباس في قوله : كل في فلك قال : فلك كفلكة المغزل.
* قال الإمام " أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي- المتوفى عام 336هـ" وهو من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار في فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد:
لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة... قال : وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة.
قال : ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد بل على المشرق قبل المغرب. انتهى من (مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي (25/195-196)).
* وقال الإمام ابن حزم رحمه الله -المتوفى عام 456 هـ :
نَقَلَةُ الكتاب والسُّنة المستحقين لاسم العلم من الأئمة الصالحين رضي الله عنهم أجمعين لم يُنكروا تكوير الأرض،
ولا يُحفَظ لأحدٍ منهم في ذلك كلمةٌ، بل الدلائل من الكتاب والسُّنة يدلُّ على تكويرها.
قال تعالى : { يكوِّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل } فهذا مأخوذٌ من كَور العمامة، وهو إدارتها، وهذا بعض التنزيل في تكوير الأرض. انتهى من (الأصول والفروع | لابن حزم صـ(١٧٧)).
وقال أيضا رحمه الله :
قال اللهُ عزَّ وجَلَّ : يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ. [الزمر: 5] ،
وهذا أوضَحُ بَيانٍ في تكويرِ بَعضِها على بَعضٍ، مأخوذٌ مِن كَورِ العِمامةِ، وهو : إدارتُها، وهذا نَصٌّ على تكويرِ الأرضِ ودَوَرانِ الشَّمسِ كذلك. انتهى من ((الفِصَل في المِلَل والأهواء والنِّحَل)) (2/78).
* وقال أبو الفرج بن الجوزي الحنبلي- المتوفي عام 597هـ :
" وَكَذَلِكَ أجمعوا -أي العلماء- عَلَى أَن الأَرْض بجميع أجرامها من البرد مثل الكرة،
ويدل عَلَيْهِ أَن الشمس والقمر والكواكب لا يوحد طلوعها وغروبها عَلَى جميع من فِي نواحي الأَرْض فِي وقت واحد،
بَل عَلَى المشرق قبل المغرب، وكرة الأَرْض مثبتة فِي وسط كرة السماء كالنقطة من الدائرة.
عَلَى ذَلِكَ أَن جرم كُل كوكب يرى فِي جميع نواحي السماء عَلَى قدر واحد،
فيدل عَلَى ذَلِكَ أَن مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض من جميع الجهات بقدر واحد، كاضطرار أَن تكون الأَرْض وسط السماء...". انتهى من كتاب " المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ".
* وسئل ابن تيمية رحمه الله :
عن رجلين تنازعا في " كيفية السماء والأرض " هل هما " جسمان كريان " ؟ فقال أحدهما كريان; وأنكر الاخر هذه المقالة وقال : ليس لها أصل وردها فما الصواب ؟
فأجاب :
السماوات مستديرة عند علماء المسلمين وقد حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من العلماء أئمة الإسلام .
مثل : أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أحد الأعيان الكبار من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف .
وحكى الإجماع على ذلك الإمام أبو محمد بن حزم وأبو الفرج بن الجوزي وروى العلماء ذلك بالأسانيد المعروفة عن الصحابة والتابعين،
وذكروا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله وبسطوا القول في ذلك بالدلائل السمعية . وإن كان قد أقيم على ذلك أيضا دلائل حسابية .
و لا أعلم في علماء المسلمين المعروفين من أنكر ذلك إلا فرقة يسيرة من أهل الجدل، لما ناظروا المنجمين فأفسدوا عليهم فاسد مذهبهم في الأحوال والتأثير،
خلطوا الكلام معهم بالمناظرة في الحساب وقالوا على سبيل التجويز يجوز أن تكون مربعة أو مسدسة أو غير ذلك ; ولم ينفوا أن تكون مستديرة لكن جوزوا ضد ذلك .
وما علمت من قال إنها غير مستديرة - وجزم بذلك - إلا من لا يؤبه له من الجهال .
ومن الأدلة على ذلك
- قوله تعالى : (( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون )). وقال تعالى : (( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون )) .
قال ابن عباس وغيره من السلف : في فلكة مثل فلكة المغزل ، وهذا صريح بالاستدارة والدوران
وأصل ذلك : أن " الفلك في اللغة " هو الشيء المستدير يقال تفلك ثدي الجارية إذا استدار ويقال لفلكة المغزل المستديرة فلكة ; لاستدارتها .
فقد اتفق أهل التفسير واللغة على أن " الفلك " هو المستدير،
والمعرفة لمعاني كتاب الله إنما تؤخذ من هذين الطريقين : من أهل التفسير الموثوق بهم من السلف، ومن اللغة : التي نزل القران بها وهي لغة العرب .
- وقال تعالى : (( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ))
قالوا : و" التكوير " التدوير يقال : كورت العمامة وكورتها : إذا دورتها ويقال : للمستدير كارة وأصله " كورة " تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا .
ويقال أيضا : " كرة " وأصله كورة وإنما حذفت عين الكلمة كما قيل في ثبة وقلة.
والليل والنهار ، وسائر أحوال الزمان تابعة للحركة ; فإن الزمان مقدار الحركة ; والحركة قائمة بالجسم المتحرك، فإذا كان الزمان التابع للحركة التابعة للجسم موصوفا بالاستدارة كان الجسم أولى بالاستدارة .
- وقال تعالى : (( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت )). وليس في السماء إلا أجسام ما هو متشابه.
أما التثليث والتربيع والتخميس و التسديس وغير ذلك : ففيها تفاوت واختلاف بالزوايا والأضلاع لا خلاف فيه ولا تفاوت ; إذ الاستدارة التي هي الجوانب .
- وفي الحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره عن جبير بن مطعم : أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول الله جهدت الأنفس وهلك المال ; وجاع العيال فاستسق لنا ; فإنا نستشفع بالله عليك ونستشفع بك على الله : فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه وقال:
(( ويحك إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك إن عرشه على سمواته هكذا وقال بيده مثل القبة وأنه يئط به أطيط الرحل الجديد براكبه)) .
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العرش على السموات مثل القبة وهذا إشارة إلى العلو والإدارة .
- وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة وسقفه عرش الرحمن )). والأوسط لا يكون أوسط إلا في المستدير .
وقد قال إياس بن معاوية : السماء على الأرض مثل القبة. والاثار في ذلك لا تحتملها الفتوى ; وإنما كتبت هذا على عجل .
والحس مع العقل يدل على ذلك فإنه مع تأمل دوران الكواكب القريبة من القطب في مدار ضيق حول القطب الشمالي،
ثم دوران الكواكب المتوسطة في السماء في مدار واسع وكيف يكون في أول الليل وفي اخره ؟ يعلم ذلك .
وكذلك من رأى حال الشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها في الأوقات الثلاثة على بعد واحد وشكل واحد ممن يكون على ظهر الأرض،
علم أنها تجري في فلك مستدير وأنه لو كان مربعا لكانت وقت الاستواء أقرب إلى من تحاذيه منها وقت الطلوع والغروب ودلائل هذا متعددة .
وأما من ادعى ما يخالف الكتاب والسنة فهو مبطل في ذلك. انتهى من ( مجموع الفتاوى ، 6 / 587 فما بعدها ).
وقال أيضا رحمه الله :
اعلم أنّ الأرض قد اتفقوا على أنها كرية الشكل، وهي في الماء المحيط بأكثرها، إذ اليابس السدس وزيادة بقليل، والماء أيضاً مقبّب من كل جانب للأرض.
والماء الذي فوقها بينه وبين السماء كما بيننا وبينها بما يلي رؤوسنا. وليس تحت وجه الأرض إلا وسطها ونهاية التحت المركز.
فلا يكون لنا جهة بينة إلا جهتان : العلو والسفل.
وإنّما تختلف الجهات باختلاف الإنسان :
فعلو الأرض وجهها من كل جانب، وأسفلها ما تحت وجهها، ونهاية المركز هو الذي يسمّى محط الأثقال.
فمن وجه الأرض والماء من كل وجهة إلى المركز يكون هبوطاً، ومنه إلى وجهها صعوداً.
وإذا كانت السماء الدنيا فوق الأرض محيطة بها فالثانية كريّة، وكذا الباقي. انتهى من (الأسماء والصفات لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/114)).
** وقد أثبت شيخ الإسلام ابن تيمية ـ بالعقل وحده ـ أنه ليس أحد على سطح الكرة الأرضية فوق أحد،
بمعنى أن الذي هو في النصف الشمالي ليس تحت الذي يكون في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ولا العكس أيضاً، فقال رحمه الله في "الرسالة العرشية" :
ليس أحد جانبي الفلك تحت الآخر، ولا القطب الشمالي تحت الجنوبي، ولا بالعكس.
وإن كان الشمالي هو الظاهر لنا فوق الأرض وارتفاعه بحسب بعد الناس عن خط الاستواء،
فما كان بعده عن خط الاستواء ثلاثين درجة مثلا كان ارتفاع القطب عنده ثلاثين درجة، وهو الذي يسمى عرض البلد،
فكما أن جوانب الأرض المحيطة بها وجوانب الفلك المستديرة ليس بعضها فوق بعض ولا تحته، فكذلك من يكون على الأرض من الحيوان والنبات والأثقال لا يقال :
إنه تحت أولئك، وإنما هذا خيال يتخيله الإنسان، وهو تحت إضافي؛ كما لو كانت نملة تمشي تحت سقف فالسقف فوقها، وإن كانت رجلاها تحاذيه.
وكذلك من علق منكوسا فإنه تحت السماء، وإن كانت رجلاه تلي السماء، وكذلك يتوهم الإنسان إذا كان في أحد جانبي الأرض،
أو الفلك أن الجانب الآخر تحته، وهذا أمر لا يتنازع فيه اثنان، ممن يقول : إن الأفلاك مستديرة .
واستدارة الأفلاك كما أنه قول أهل الهيئة والحساب فهو الذي عليه علماء المسلمين،
كما ذكره أبو الحسن بن المنادى، وأبو محمد بن حزم، وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم أنه متفق عليه بين علماء المسلمين. ينظر: (مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي (6/566)).
* وقال العلامة الألباني رحمه الله :
.... لا يوجد في الشرع أبدا ما ينفي كروية الأرض ، ثم كروية الأرض أصبحت اليوم حقيقة علمية ملموسة لمس اليد، يعني يتهم الإنسان في عقله وعلى الأقل في علمه فيما إذا جحد هذه الحقيقة .
لأنك اليوم تستطيع أن ترفع السماعة وتتصل مع صديق لك صادق وتقول له ماذا عندكم اليوم نهار أم ليل سيقول لك عندنا ليل، في الوقت الذي يؤذن عندنا مثلا لأذان المغرب يؤذن عندهم لصلاة الفجر أو يكون قد طلعت الشمس،
وهذا لا يمكن تصوره أبدا إلا كما يقول العلم بالتجربة أن هذا ينتج بسبب أن الأرض تدور حول الشمس دائرة كاملة ينتج من ورائها الليل والنهار،
ثم أدق من ذلك حصول الفصول الأربعة بسبب ابتعاد الأرض عن الشمس واقترابها وهذا له تفصيله في علم الفلك وعلم الجغرافيا لسنا في صدده ،
لكن الشاهد أنه لا يمكن أن تحصل هذه الأمور الواضحة إلا والأرض أولا كروية وإذا سلبت كرويتها فلا يمكن أن يقال بأنها ثابتة.
لأن البشر يسكنون هذه الأرض في كل جوانبها كما يقال اليوم في القطب الشمالي في القطب الجنوبي،
فلو كانت هي كروية وثابتة كيف يثبت من كانوا في أسفل القطب الجنوبي مثلا بل ومن كان في طرفيها .
لكنها لما كانت تدور بقدرة الله العجيبة الدوران الذي لا يجعل حياة المستوطنين والساكنين عليها مضطربة فهذا أمر في غاية الإعجاز الدالة على عظمة وقدرة الله تبارك وتعالى. انتهى من (تسجيلات متفرقة - شريط : 15 توقيت الفهرسة : (00:07:48)).
* وقال العلامة ابن باز رحمه الله :
الأرض كروية عند أهل العلم قد حكى ابن حزم وجماعة آخرون إجماع أهل العلم على أنها كروية، يعني : أنها منضم بعضها إلى بعض مدرمحة كالكرة،
لكن الله بسط أعلاها لنا وجعل فيها الجبال الرواسي وجعل فيها الحيوان والبحار رحمة بنا، ولهذا قال : وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ. [الغاشية:20]
فهي مسطوحة الظاهر لنا ليعيش عليها الناس ويطمئن عليها الناس، فكونها كروية لا يمنع تسطيح ظاهرها لأن الشيء الكبير العظيم إذا سطح صار له ظهر واسع. انتهى من (فتاوى نور على الدرب).
* قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
الأرض كروية بدلالة القرآن والواقع وكلام أهل العلم،
أما دلالة القرآن : فإن الله تعالى يقول : ( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ) والتكوير جعل الشيء كالكور مثل كور العمامة،
ومن المعلوم أن الليل والنهار يتعاقبان على الأرض وهذا يقتضي أن تكون الأرض كروية ،
لأنك إذا كورت شيئاً على شيء ، وكانت الأرض هي التي يتكور عليها هذا الأمر لزم أن تكون الأرض التي يتكور عليها هذا الشيء كروية .
وأما دلالة الواقع : فإن هذا قد ثبت فإن الرجل إذا طار من جدة مثلاً متجهاً إلي الغرب خرج إلى جدة من الناحية الشرقية إذا كان على خط مستقيم، وهذا شيء لا يختلف فيه اثنان .
وأما كلام أهل العلم : فإنهم ذكروا أنه لو مات رجل بالمشرق عند غروب الشمس ، ومات آخر بالمغرب عند غروب الشمس ، وبينهما مسافة ،
فإن من مات بالمغرب عند غروب الشمس يرث من مات بالمشرق عند غروب الشمس إذا كان من ورثته،
فدل هذا على أن الأرض كروية ، لأنها لو كانت الأرض سطحية لزم أن يكون غروب الشمس عنها من جميع الجهات في آن واحد ، وإذا تقرر ذلك فإنه لا يمكن لأحد إنكاره ،
ولا يشكل على هذا قوله تعالى : ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ )،
لأن الأرض كبيرة الحجم وظهور كرويتها لا يكون في المسافات القريبة فهي بحسب النظر مسطحة سطحاً لا تجد فيها شيئاً يوجب القلق على السكون عليها،
ولا ينافي ذلك أن تكون كروية لأن جسمها كبير جداً ولكن مع هذا ذكروا أنها ليست كروية متساوية الأطراف بل إنها منبعجة نحو الشمال والجنوب .
فهم يقولون : إنها بيضاوية أي على شكل البيضة في انبعاجها شمالاً وجنوباً. انتهى من ( "فتاوى نور على الدرب-066").
* وقال الشيخ المُفسر ابن عاشور رحمه الله :
- واستعمال التكوير هنا في قوله : "يكور الليل على النهار". من محاسن البلاغة؛ فالتكوير حقيقته:
اللف واللي، ومثلت به هنا هيئة غشيان الليل على النهار في جزء من سطح الأرض وعكس ذلك على التعاقب بهيئة كور العمامة؛
إذ تغشى اللية اللية التي قبلها، وهو تمثيل بديع قابل للتجزئة بأن تشبه الأرض بالرأس، ويشبه تعاور الليل والنهار عليها بلف طيات العمامة.
قيل: ومما يزيده إبداعا إيثار مادة التكوير الذي هو معجزة علمية من معجزات القرآن؛ فإن مادة التكوير جائية من اسم الكرة، وهي الجسم المستدير من جميع جهاته على التساوي،
والأرض كروية الشكل في الواقع، وذلك كان يجهله العرب وجمهور البشر يومئذ،
فأومأ القرآن إليه بوصف العرضين اللذين يعتريان الأرض على التعاقب، وهما النور والظلمة، أو الليل والنهار؛
إذ جعل تعاورهما تكويرا؛ لأن عرض الكرة يكون كرويا تبعا لذاتها، فلما كان سياق هذه الآية للاستدلال على الإلهية الحقة بإنشاء السموات والأرض،
اختير للاستدلال على ما يتبع ذلك الإنشاء من خلق العرضين العظيمين للأرض مادة التكوير دون غيرها؛
لأن تلك الآية مسوقة للدلالة على سعة التصرف في المخلوقات، فكان تصوير ذلك بإغشاء الليل والنهار خاصة؛ لأنه دل على قوة التمكن من تغييره أعراض مخلوقاته؛
ولذلك اقتصر على تغيير أعظم عرض -وهو النور- بتسليط الظلمة عليه ،لتكون هاته الآية لمن يأتي من المسلمين الذين يطلعون على علم الهيئة؛ فتكون معجزة عندهم. ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/328، 329).
اقرأ أيضا : الرد على من استدل بالقرآن على أن الأرض مسطحة.
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق