إذا عاد المصلي إلى التشهد الأول بعد أن استتم قائماً فإن كان رجوع عن علم وعمد فتبطل بذلك الصلاة ،
وإن كان رجوعه عن جهل بالحكم ونسيان فصلاته صحيحة ولا تبطل الصلاة بذلك وعليه أن يسجد للسهو .
فالصحيح إذا قام المصلي عن التشهد الأول ناسيا حتى استوى قائما لم يجز له الرجوع بل يمضي في صلاته ويسجد سجدتين للسهو قبل السلام .
والدليل على ذلك :
1- عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين، لم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه،كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم ). رواه البخاري.
2- عن المغيرة بن شعبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قامَ الإمامُ في الرَّكعتينِ فإن ذَكرَ قبلَ أن يستويَ قائمًا فليجلس فإنِ استوى قائمًا فلاَ يجلس ويسجدُ سجدتيِ السَّهوِ . (صحيح أبي داود رقم: 1036 - وصصح أيضا الإمام الألبانى بمجموع طرقه فى السلسلة الصحيحة رقم: 5/586 - وصححه شعيب الأرناؤوط بمجموع طرقه فى تخريج المسند رقم:
18223 )
3- وقد وقعت هذه الحادثة نفسها لراوي الحديث وهو المغيرة بن شعبة فعن زياد بن علاقة قال :
صلى بنا المغيرة بن شعبة فقام من الركعتين قائما فقلنا سبحان الله فأومأ وقال سبحان الله فمضى في صلاته فلما قضى صلاته سجد سجدتين وهو جالس ثم قال:
صلى بنا رسول الله فاستوى من جلوسه فمضى في صلاته فلما قضى صلاته سجد سجدتين وهو جالس ثم قال إذا صلى أحدكم فقام من الجلوس فإن لم يستتم قائما فليجلس وليس عليه سجدتان فإن استوى قائما فليمض في صلاته وليسجد سجدتين وهو جالس. ( إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات إرواء الغليل رقم: 2/110 )
إذن إذا قام المصلي بعد الركعتين ونسي التشهد الأوسط في الصلاة الثلاثية أو الرباعية " فإن ذكر قبل أن يستوي قائما "، أي : تذكر أنه نسي قبل أن يعتدل قائما، " فليجلس "، أي : ليقعد ويأت بالتشهد الأوسط،
لكن " إن استوى قائما فلا يجلس "، بل يتم صلاته ويجبر هذا النقص بأن " يسجد سجدتي السهو "، وهذا الأمر ينطبق على المنفرد أيضا والسجود للسهو هنا يكون قبل السلام .
فإذا استتم قائماً سواء شرع في القراءة أم لم يشرع فلا يجوز له الرجوع لأنه اشتغل بركن لا يجوز تركه،
ولأنه لا فرق بين الصورتين لأن القيام ركن والقراءة ركن فالحديث صريح فالنهى عن الرجوع فى مثل هذه الحالة ،
والنبي صلى الله عليه وسلم قال صلوا كما رأيتمونى أصلى وهكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نفعل إذا تعرضنا لهذا الموقف .
والقول بأنه : إذا كان المصلي أقرب إلى القيام لا يعود، وإذا كان أقرب إلى القعود يعود، هذا ليس له أصل في السنة،
السنة صَحَّت إن استتم قائماً يظل قائماً ولا يرجع، ولا بد له من أن يسجد سجود السهو، وإن لم يستتم قائماً فرجع وتشهد ليس عليه سجود سهو.
قال العلامة الألباني رحمه الله :
...أنه إذا اسْتَتَمَّ قائماً، لا يرجع وعليه سجود السهو، وإذا لم يستتم قائماً، رجع ولا سجود عليه.
... وهذا خلاف المذهب الحنفي الذي يفرق فيقول إذا كان أقرب إلى القيام لم يعد وإذا كان أقرب إلى القعود قعد.
الحديث لا يأتي بهذا التفصيل وإنما إستتم قائما أو لم يستتم قائما فأن إستتم قائما لم يجز له الرجوع وعليه سجدتا السهو ،
لأنه فوت عليه التشهد وان لم يستتم قائما رجع وأتى بالواجب ولا سجدة عليه .انتهى من (سلسلة الهدى والنور - شريط : 812 توقيت الفهرسة : (00:16:20))
وقال العلامة السعدي رحمه الله :
والصحيح : أنه إذا قام من التشهد الأول ناسياً ولم يذكر إلا بعد قيامه أنه لا يرجع ولو لم يشرع في القراءة..
وقولهم القراءة ركن مقصود وكذلك القيام ركن مقصود ولأن بقية الواجبات إذا لم يذكرها إلا بعد وصوله إلى الركن الذي بعدها فإنها تسقط . انتهى من (المختارات الجلية (صـ48)).
وقال العلامة العثيمين ررحمه الله :
ومثل هذه الصورة : إذا قام الإمام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً فإنه يحرم عليه أن يرجع ،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام عن التشهد الأول ذات يوم فسبحوا به فمضى ولم يرجع فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه سجد سجدتين ثم سلم ،
فهذا هو الواجب إذا قام الإمام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً فإن رجوعه محرم ،
ولا يجوز أن يرجع كما في هذا الإمام الذي سبحوا به فرجع فإن كان عالماً بأن رجوعه محرم فإن صلاته باطلة.
فإن كان لا يدري أن رجوعه محرم وظن أن الواجب أن يرجع ويجلس للتشهد الأول وأن الإنسان إذا نبه للتشهد الأول بعد أن قام وجب عليه أن يرجع فرجع هو وظن أن هذا هو الواجب،
فإن صلاته لا تبطل وصلاته صحيحة وعليه أن يسجد للسهو . انتهى من (مجموع الفتاوى المجلد الرابع عشر/ كتاب سجود السهو).
وقال أيضا رحمه الله :
فتارك التشهد الأول : إذا قام ونهض واعتدل قائما حرم عليه الرجوع، سواء قرأ أم لم يقرأ.
ولكنه يسجد للسهو قبل السلام لفعل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وإن ذكر قبل أن ينهض وجب عليه الرجوع ليأتي بالتشهد ثم يكمل صلاته،
أما لو ترك التشهد الأخير فالتشهد الأخير ركن لابد أن يفعله فلو أنه حين قام من السجدة الأخيرة سلم ناسياً التشهد الأخير؛
فإننا نقول له : ارجع إلى صلاتك واقرأ التشهد وسلم ثم اسجد للسهو بعد السلام . انتهى من ( فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [329])
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (24/246) :
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَادَ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ أَنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا : نَاسِيًا ، أَوْ جَاهِلًا مِنْ غَيْرِ عَمْدٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ لِلْحَدِيثِ : ( إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) . انتهى.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
سجودُ السهو واجبٌ ؛ لأنَّ الرسول أمر بذلك ، وإذا كان عن ترْك واجب، أو فِعل محظور سهوًا وجَبَ،
كما لو ترك التشهُّد الأول، أو جلس في الرابعة فنُبِّهَ وقام ليكمل، أو زاد ثالثةً في الفجر، أو رابعةً في المغرب، أو خامسةً في العشاء ونحوها، فإنه يسجد للسهو وجوبًا. انتهى من ((فتاوى نور على الدرب)) (9/365).
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق