">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل من النفاق إظهار الإستقامة وإخفاء المعصية؟


من عصى الله وغلبتْه نفسُه ووقع في بعض المعاصي والذنوب سراً وستر نفسه ولم يجاهر بمعصيته فالواجبُ عليه أن يجاهدَ نفسَه في الإقلاع عنها مع التوبة والندم والاستغفار ولا يكون بذلك منافقًا .

لأن المنافق هو الذي يُظهر خلاف ما يُبطن فما يفعله من حسنات في الظاهر أمام الناس عبارة عن رياء ونفاق فإذا خلا بنفسِه انتهك محارمَ الله بكلِّ جرأة ووقاحةٍ دون مبالاةٍ استهتارًا واستخفافًا بما حرَّم لله، والعياذ بالله .

وفي هذا قوله تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا }[النساء: 108].

قال ابنُ كثير في تفسيره : " هذا إنكارٌ على المنافقين في كونهم يستخْفُون بقبائحهم مِن الناس لئلا يُنْكِروا عليهم، ويجاهرون الله بها؛ لأنه مطّلعٌ على سرائرهم، وعالمٌ بما في ضمائرهم ". انتهى.

ومما يدل على ذلك :

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كلُّ أُمّتي مُعافًى إِلّا المجاهرين، وإنّ مِنَ المجاهرةِ أنْ يَعملَ الرّجلُ باللّيلِ عَملًا، ثُمّ يُصبحَ وقد سَترَه اللّهُ عليه، فيقول : يا فُلانُ، عَمِلتُ البارحةَ كذا وكذا، وقدْ بات يَسترهُ رَبُّه، ويُصبحُ يَكشِفُ سِترَ اللَّهِ عنه ). متفق عليه.

وليعلم العبد أن التوبة الصحيحة لا يضر فيها العودة إلى الذنب ثانيا بل مضت على صحتها ويتوب من المعصية الثانية .

2- السَّترُ على النَّفْس وعدمُ المجاهرة بالذنوب والمعاصي ليس مِن النفاق، بل هو مِن أسباب غفران الذُّنوب؛ كما جاء في الحديث القدسي الصحيح : ( أنا سترْتُها عليكَ في الدُّنيا، وأنا ‌أَغْفرها ‌لك ‌اليوم ). رواه البخاري.

سئل الشيخ العثيمين رحمه الله :

   شاب ظاهِرُه الإستقامة إلا أنه يُبْطِن بعض المعاصي فهل هذا من النفاق؟

الجواب :

هذا لا يُعدُّ نِفاقا كون الإنسان يستَتِر بِستر الله،

لأنه يخشى ويخاف الله وهو مؤمن معترف بخطيئته ولا أحد أرأف ولا أرحم بك من الله واحرص على أن تتوب إلى الله توبة نصوحا . انتهى من " اللقاءات الشهرية للعلامة العثيمين -٢٩٥/٢"

وقال أيضا رحمه الله :

.... المشكل هو الذي يرائي الناس بفعل الطاعات، وكذلك لا يخاف الله بالغيب، 

وأما رجل يخاف الله لكنه في العلانية يخجل من الناس وفي السر تغلبه نفسه ومع ذلك فهو خائف من ربه؛ فهذا لا لوم عليه، لكن يجب عليه أن يحاول ترك المعصية بقدر استطاعته . انتهى من (اللقاء الشهري>اللقاء الشهري [59]).

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

الجهر بالمعصية يعتبر معصية والمنافق هل من يخالف ظاهر ذلك يأثم؟ فكيف يمكن التوفيق بين ذلك جزاكم الله خيرًا، بمعنى أن يخفي المعاصي ويظهر الصلاح وذلك من النفاق؟

فأجاب :

الواجب على المسلم أن يتستر بستر الله، وألا يجاهر بالمعصية، بل إذا فعلها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله؛ 

لقول النبي ﷺ : كل أمتي معافى إلا المجاهرين جعلهم من غير أهل العافية، كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يفعل العبد معصية في الليل، ثم يصبح وقد ستره الله، فيفضح نفسه ويقول : فعلت كذا وفعلت كذا.

فالواجب على المسلم التستر بستر الله، وعدم إظهار المعاصي ، والتوبة إلى الله ، فإن المعصية إذا كانت خفيت ما تضر إلا صاحبها ، فإذا ظهرت ولم تنكر ضرت العامة .

فالواجب على من عصى أن يتقي الله، وأن يسر معصيته، وأن يتوب إلى الله منها، ويجاهد نفسه، 

وألا يتجاهر بالمعاصي، فإن المجاهرة فيها شر عظيم : تجرئة لغيره على المعاصي؛ ليتأسوا به، وعدم مبالاة بالمعصية، 

فإذا فعلها خفية كان أقرب إلى أن يتوب، فيتوب الله عليه ، وليس هذا من النفاق ، النفاق هو أن يسر الكفر، ويظهر الدين، هذا النفاق ، نسأل الله العافية، نعم . انتهى من (فتاوى نور على الدرب).

 وسئلت اللجنة الدائمة :

إذا كنت أعظ إخواني وأحذرهم من بعض المعاصي لكن أقع أنا في هذه المعاصي ؛ هل أعتبر منافقا ؟

فأجابت اللجنة : 

" يجب عليك التوبة من المعاصي وموعظة إخوانك عنها ولا يجوز لك الإقامة على المعاصي وترك النصيحة لإخوانك لأن هذا جمع بين معصيتين فعليك التوبة إلى الله من ذلك مع النصيحة لإخوانك

ولا تكون بذلك منافقا ولكنك تقع فيما ذمه الله وعاب به من فعله في قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ). 

وفي قوله سبحانه : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ). " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (12 /268) .

وسئل الشيخ محمد بازمول حفظه الله :

ما ذنوب الخلوات؟ وكيف أتخلص منها؟

الجواب :

ذنوب الخلوات يراد بها ما يفعله الشخص الذي يظهر خلاف ما يُبطن ولا يراد بها ما يفعله الإنسان من الذنب في الخفاء، وهو يصارع نفسه في طاعة الله ويستحي من الله، ويعظم الله لكن تغلبه نفسه الأمارة فيقع في الذنب بخلوة .

فالأول هو الخطر الذي يحذر منه، وهي ذنوب الخلوات؛ فإن الإنسان إذا أظهر خلاف ما يبطن كان فيه نفاق، فهو يستهتر بالذنب، يخاف الناس ولا يخاف الله، يخشى الناس فلا يظهر أمامهم إلا الخير، فإذا خلى انتهك الذنوب بدون خوف .

أما الشخص يقع في الذنب، فيندم، ولا يستهتر ولا يستهين، فهذا ليس من أصحاب ذنوب الخلوات، وإن فعل الذنب في الخلوة! فنحن أمام شخصين :

- شخص يستهتر بالذنوب ويفعلها بدون ندم أو خوف في الخلوات، لا يعظم الله، ولا يخاف الذنب .

- وآخر يفعل الذنب في الخفاء، وهو متندم، ويخشى الله، ويخافه، ويتوب، ويبادر، ويحصل منه الذنب بدون استهتار .

فالأول هم أصحاب ذنوب، وأما الثاني، فهذا ما دام يندم ويتوب، فهذا ليس من أصحاب ذنوب الخلوات؛ وفيه جاء عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 

" إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا - وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا - فَقَالَ : رَبِّ أَذْنَبْتُ - وَرُبَّمَا قَالَ : أَصَبْتُ - فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ : أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، 

ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ : رَبِّ أَذْنَبْتُ - أَوْ أَصَبْتُ - آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ : أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، 

ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ : أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ : قَالَ : رَبِّ أَصَبْتُ - أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ - آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ : أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ". ( أخرجه البخاري، في كتاب التوحيد، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ﴾ (الفتح: 15)، تحت رقم (7507)، ومسلم في كتاب التوبة باب قبول التوبة من الذنوب، تحت رقم (2758).).

والمعنى : مادام العبد يذنب ويندم ويستغفر ويتوب، ويحافظ على هذه الحال، فإن الله يغفر له؛ فهذا لا يُقال عنه صاحب ذنوب في الخلوات، هذا إنسان مسكين يصارع نفسه. 

لكن ذنوب الخلوات ؛ إنسان يخرج للناس له لحية وثوب قصير ويتكلم على هذا ويجرح هذا، ويظهر الصلاة، والدين، والعبادة، ثم إذا جلس في البيت يعمل المخالفات بدون خوف و لا وجل و لا ندم، يستهتر بأمر الله ونهيه .

فإذا كان حال السائل من الحال الثاني الذي يذنب ويندم ويخاف، ويتوب ويخشى الله فداوم نفسك على الندم والتوبة والاستغفار وذكر الله، 

ولا تستسلم للذنوب بل تَرجَّى دائمًا رحمة الله، وداوم على الاستغفار وداوم على ذكر الله، فالله -عز وجل- يحب من عباده التائبين المستغفرين، قال -صلى الله عليه وسلم-: " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ".

أما إذا كنت من النوع الأول المستهتر الذي يخاف عاقبة الذنب، و لا يخشى؛ فأنت على خطرٍ عظيم! اتق الله، 

علاجك بأن تراجع نفسك في باب تعظيم الله ومعرفة حق الله، في باب تحقيق أمر الإيمان، في باب تحريك باب الموعظة والتقوى في نفسك، في باب استعظام الذنب في حق الله مثل ما ورد في الحديث : 

" إِنَّ المُؤْمِنَ إذا أذنب الذنب يرى الذنب على رأسه كالجَبَل يوشك أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَأنَّ المنافق إذا أذنب يَرَى أن الذنب على وجهه كَذُبَابه يقول بِها هَكَذَا ". انتهى من صفحة الشيخ على الفيس بوك.

كيفيّة التخلص من ذنوب الخلوات

1- بمراقبة الله في السر والعلن فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه : « أوصيك بتقوى الله تعالى في سِرِّ أمرِك وعلانيته » . (صحيح الجامع:2544) .

2- أقلل من الخلوات : فلا تجلس وحدك فبعض المعاصي تستثار بالخلوة يختلي الإنسان فيقوى سلطان الشيطان عليه فتتحرك شهوته لارتكاب المعصية .

3- الإلتجاء إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع إليه أن يصرف عنه الذنوب والمعاصي .

4- مجاهدة النفس ودفع وسوستها ومحاولة تزكيتها بطاعة الله تعالى .

5- تأمل الوعيد الشديد الوارد في حديث ثَوْبَانَ : ( ...... وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) . وخشية انطباقه على فاعل تلك الذنوب في خلوات .

6- استشعار تعظيم الله ومراقبته وأنه رقيب ومطلع على المسلم في كل حال .

فالواجب على من عصى أن يتق الله وأن يسر معصيته وأن يتوب إلى الله منها ويجاهد نفسه وألا يتجاهر بالمعاصي ،

فإن المجاهرة فيها شر عظيم تجرئة لغيره على المعاصي ليتأسوا به وعدم مبالاة بالمعصية فإذا فعلها خفية كان أقرب إلى أن يتوب فيتوب الله عليه وليس هذا من النفاق ولكن النفاق هو أن يسر الكفر ويظهر الدين هذا النفاق نسأل الله العافية .


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات