القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل يجوز صوم يوم السبت فى غير الفريضة


لا يجوز صوم يوم السبت إلا فى رمضان والقضاء والنذر ولا يُصام فى أى نفلٍ آخر لا مفرداً ولا مضافاً أو حتى وافق عادة .

وعدم صيام يوم السبت إلا في الفرض مطلقاً هو قول طائفة من السلف منهم الصحابى عبد الله بن بسر راوى حديث السبت ومجاهداً وطاوس بن كيسان وإبراهيم وخالد بن معدان واختاره الألبانى .

والدليل :

1- عن الصمّاء -رضي الله عنها : أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال : " لا تصوموا يوم السبت؛ إِلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إِلا لحاء  عنبة أو عود شجرة فليمضغه  ". ("صحيح سنن ابن ماجه" (1403)). وقد صحح هذا الحديث الترمذي والذهبي والحاكم والنووي وأبو داوود وابن خزيمة وابن حبان وابن السكن والضياء المقدسي وابن قدامة وابن الملقن والألباني رحمهم الله جميعا.

 فهذا الحديث يقتضي أنَّ النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرضقال ابن القيم كما في تهذيب السنن : دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفردا أو مضافا لأن الإستثناء دليل التناول وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الأفراد لقال لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون فيها علم تناول النهي لما قابلها . اه

2- وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصم يوم السبت إلا في الفريضة ولم تجد إلا لحاء شجرة فأفطر عليه ). السلسلة الصحيحة رقم(3101) 

قال العراقي كما في ((فيض القدير)) (408/6)" : هذا من المبالغة في النهي عن صومه , لأنَّ قشر شجر العنب جاف لا رطوبة فيه ألبتة بخلاف غيره من الأشجار ".اه

فالحديث يدل بمنطوقه على عدم مشروعية صيام السبت في غير الفريضة وأنه لايجوز صيام يوم السبت في النوافل كلِّها سواء ضُمَّ إليه يوم آخر أو وافق صوماً معتاداً كعرفة أو عاشوراء أو ست من شوال أو الأيَّام البيض أو شهر شعبان إلى غير ذلك من صيام النَّافلة إذ النهي يقتضي التحريم ما لم يصرف إلى الكراهة أو الإباحة ولا صارف. 

3- وعن عبد الله بن بسر المازني قال : ترَوْنَ يدي هذه ؟ بايَعْتُ بها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسمِعْتُه يقولُ : ( لا تصوموا يومَ السَّبتِ إلَّا فيما افتُرِض عليكم ولو لم يجِدْ أحدُكم إلَّا لِحاءَ شجرةٍ فليُفطِرْ عليه ). المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان الصفحة أو الرقم: 3615 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح.

قال الإِمام الطحاوي رحمه الله- بعد أن روى حديث عبد الله بن بسر : " ... فذهَب قومٌ إِلى هذا الحديث؛ فكرِهوا صوم يوم السبت تطوُّعاً، وخالَفهم في ذلك آخرون؛ فلم يروا بصومه بأساً ... " . اه ( "شرح معاني الآثار" (2/ 80) )

قال العيني في نخب الأفكار : أراد بالقوم (أى الطحاوى) هؤلاء : مجاهداً وطاوس بن كيس وإبراهيم وخالد بن معدان فإنهم كرهوا صوم يوم السبت تطوعاً واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور .433 / 8 .انتهى

4- فتوى الصحابي عبد الله بن بُسر رضي الله عنه أن صيام السبت (لا لك و لا عليك) فقد أخرج النسائي في "الكبرى"(باب النهي عن صيام يوم السبت) من طريق معاوية بن يحيى أبو مطيع قال : حدثنا أرطاة قال : " سمعت أبا عمر قال سمعت ثوبان مولى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن صيام يوم السبت ؟ فقال سلوا عبدالله بن بسر. فسئل ؟ فقال : ( صيامُ يومِ السَّبتِ لا لكَ ولا عليك)". المصدر: السلسلة الصحيحة الجزء أو الصفحة:1/446 حكم المحدث:إسناده جيد.

 ففى هذا الحديث راوى حديث السبت يشرح معنى الحديث فيقول الصحابي رضي الله عنه (صِيَامُ يَوْمِ السَّبْتِ لاَ لَكَ وَلاَ عَلَيْكَ). وهذا دليل على حرمة صيام يوم السبت في غير الفريضة وذلك لمن دقق النظر وتأمل قوله جيداً. فقوله : " لا لك "  أي لا يشرع لك أن تتعبد بما ليس بعبادة فهو كحديث : من صام الدهر لا صام و لا أفطر. فقوله : لا صام. أي لا يحصل له أجر الصيام ولا أفطر أي لم يأكل و ليس فيه جواز صيام الدهر .

قال الشيخ الألبانى رحمه الله عقب حديث ( صيامُ يومِ السَّبتِ لا لكَ ولا عليك) : إسناده جيد، ورجاله ثقات، وليس فيهم من يُنظر فيه غير معاوية هذا، وهو صدوق له أوهام ، كما في "التقريب" فمثله لا يَنزل حديثه عن مرتبة الحسن، وهو وإن كان موقوفاً فهو في حكم المرفوع، لأن الأصل في كلّ صومٍ أنه مشروع ما لم يُنهَ عنه فلا يُعقل لصحابي جليل كعبد الله بن بُسر أن يَنفي شرعية صيامِ يوم السبت إلا بتوقيف من النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وقد صحّ عنه أنه قال : (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم .....) الحديث.

وهو مُخرّجٌ في إرواء الغليل تخريجاً علمياً دقيقاً يتبيّن منه كلّ باحث عن الحق أنه حديث صحيح. ( [إرواء الغليل 4/118- 225 رقم960]) ولذلك صححه الأئمة كما قال النووي، فلا يُغترُّ بما قيل : أنه كذبٌ أو شاذٌ أو مضظربٌ، إذ كلّ ذلك صدر من قائله دون أن يتتبع طرقه، وفيها ثلاثة طرق صحيحة كما تراه مفصّلاً هناك.

وهذه طريق جديدة من رواية ابي عامر – واسمه عبدالله بن غابر الألهاني – فهي تؤكد ثبوت ذلك يقينا عن عبدالله بن بُسر – رضي الله عنه -، وإن كانت موقوفة فهي في حكم المرفوع كما تقدّم.

والحديث ظاهره النهي عن صوم السبت مطلقاً إلا في الفرض، وقد ذهب إليه قومٌ من أهل العلم كما حكاه الطحاوي، وهو صريحٌ في النهي عن صومه مُفرداً، ولا أرى فرقاً بين صومه – ولو صادفَ يوم عرفة أو غيرهِ من الأيام المُفضـّـلة – وبين صوم يوم من أيام العيد إذا صادف الإثنين أو الخميس لعموم النّهي، وهذا قول الجمهور فيما يتعلّق بالعيد، كما في " المُحلّى " (7/27) ...]. انتهى كلامه من [ السلسلة الصحيحة 1/445 - 447 رقم 225].

 فمن المسلَّم به عند المسلمين جميعًا أن الحديث الصحيح حجة بنفسه ولا تجوز مخالفته بأي حال من الأحوال ولا يضرب له الأمثال فالواجب على المسلم الإنقياد والتسليم له والتصديق به وعليه أن ينكر أشد الإنكار على من يسلك غير هذا السبيل. فعن ابن خزيمة قال : قلت لأحمد بن نصر المقرئ النيسابوري وحدث بخبر عن النبي ﷺ : أتأخذ به ؟ فقال : أترى على وسطي زناراً؟ لا تقل بخبر النبي ﷺ أتأخذ به؟ وقل أصحيح هو ذا؟ فإذا صح الخبر عن النبي ﷺ قلتُ به شئتُ أم أبيتُ .اه ((ذم الكلام)) (175/2).

وإليك توضيح الحديث رواية ودراية فى حوار بين القائلين بجواز صيام السبت وبين المانعين

القائلون بالنهي مطلقا قالوا : 

إن صيام يوم السبت لا يجوز مطلقا سواء أكان مفرداً أو وافق عادة للصائم أو وافق أيام فاضلة وسواء صام يوماً قبله أو بعده. 

و الدليل على ذلك هو الحديث الصحيح الصريح : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ). فهذا الحديث يدل على تحريم صيام يوم السبت بثلاثة مؤكدات :

الأولى : قوله ﷺ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ) والأصل في النهي التحريم ما لم يصرف إلى الكراهة أو الإباحة ولا صارف.

الثانية : قوله ﷺ (إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) وإلا تفيد الحصر فلا يدخل غير المحصور وهو قوله افترض عليكم وهو رمضان والكفارات والنذور والقضاء وكل ما فرض صيامه فلو صادف السبت أحد هذه المفروضات فلا مانع من صيامه.

الثالثة : شدة النهي على صيام هذا اليوم حيث قال ﷺ : (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ  أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ)  فأوجب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاكل في هذا اليوم والأمر بإفطاره يفيد الوجوب ولو بلِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ ومن المعلوم أن لِحَاءَ العِنَبَةٍ أَوْ عُودَ الشَجَرَةٍ لا يغني من الجوع وإنما ليبين أنه قد افطر هذا اليوم. قال الحافظ العراقي : (هذا من المبالغة في النهي عن صومه لأنَّ قشر شجر العنب جاف لا رطوبة فيه ألبتة بخلاف غيره من الأشجار).انتهى.

القائلون بالجواز قالوا :

أن المستدل بالسنة النبوية يجب عليه أن يوفر شرطين حتى يكون إستدلاله صحيحاً وشروط الاستدلال بالسنة النبوية هي :

1- صحة الدليل - ومعنى صحة الدليل هي سلامته من العلل - وبهذا يجب على المستدل بسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يثبت صحة ما استدل به إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إذ كما هو معلوم فإن هناك من الأحاديث ماهو صحيح , ومنها ما هو ضعيف.

2- صحة الاستدلال - ومعنى صحة الاستدلال أن لا يحمل الدليل مالا يحتمل , إذ يجب أن يكون الدليل يتحمل ما استدل به عليه.

وحديثكم هذا مطعون فيه من الوجهين (من حيث صحته – ومن حيث دلالاته على حرمة صيام السبت) , ولا يثبت به حكم.

القائلون بالنهي ردوا على ذلك فقالوا : 

بل هذا الحديث صحيح ودلالته على الحرمة ظاهرة ولقد اعترض على هذا الحديث بإعتراضات عند تأملها تجدها لا تثبت فاتوا بما عندكم من الاعتراضات وسوف نفندها بإذن الله تعالى.

1- القائلون بالجواز قالوا : هذا الحديث كذب 

ولقد قال عنه الإمام مالك : هذا حديث مكذوب.

القائلون بالنهي ردوا على ذلك فقالوا : 

 إن الإمام مالك رحمه الله تعالى لم يبين سبب طعنه في هذا الحديث ولهذا قال الإمام النووي : (لا يقبل هذا منه -يعنى الإمام مالك- وقد صححه الأئمة).انتهى. 

قال ابن القيم رحمه الله في الحاشية : ( قال عبد الحق : ولعلّ مالكاً إنما جعله كذباً من أجل رواية ثور بن يزيد الكلاعي فإنه كان يُرمى بالقدر ولكنه كان ثقة فيما يروي قاله يحيى وغيره؛ وروى عنه الجلة مثل : يحيى بن سعيد القطان وابن المبارك والثوري وغيرهم ).انتهى. وقد صحح هذا الحديث الترمذي والذهبي والحاكم والنووي وأبو داوود وابن خزيمة وابن حبان وابن السكن والضياء المقدسي وابن قدامة وابن الملقن و الألباني رحمهم الله جميعا.

2- القائلون بالجواز قالوا : هذا الحديث مضطرب 

 قال النسائي : هذا الحديث مضطرب قد اختلف فيه على وجوه من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ :

• من حديث بْنِ بُسْرٍ عن أخته الصماء

• من حديث الصماء عن عائشة رضي الله عنها. 

• من حديث ابن بسر عن أمه. 

• من حديث ابن بسر عن أبيه. 

• من حديث ابن بسر مرفوعا.ولهذا أعله النسائي بالاضطراب.

القائلون بالنهي ردوا على ذلك فقالوا : 

بل الحديث صحيح وعلة الاضطراب لا توجد في هذا الحديث ولهذا قال ابن حجر في التلخيص " ج 938 " : ( لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهن راويه ، وينبئ بقلة ضبطه ، إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه ، وليس الأمر هنا هكذا ، بل اختلف فيه أيضا على الراوي عن عبد الله بن بسر أيضا).أهـ.

قال الشيخ الألبانى رحمه الله في " الارواء 960 "(هذا الحديث صحيح وغير مضطرب لأن الاضطراب عند أهل العلم على نوعين :

أحدهما : الذي يأتي على وجوه مختلفة متساوية القوة ، لا يمكن بسبب التساوي ترجيح وجه على وجه.

والآخر : وهو ما كانت وجوه الاضطراب فيه متباينة بحيث يمكن الترجيح بينها فالنوع الأول هو الذي يعل به الحديث . وأما الآخر ، فينظر للراجح من تلك الوجوه ثم يحكم عليه بما يستحقه من نقد.

فالنوع الأول هو الذي يعل به الحديث وأما الآخر فينظر للراجح من تلك الوجوه وهذا الحديث من هذا النوع فقد اختلف في سنده على ثور على وجوه هي : 

الوجه الأول : ماخرجه أبو داود (2421) والترمذي (1 / 143) والدارمى (2 / 19) وابن ماجه (172) والطحاوي (1 / 339) وابن خزيمة في (صحيحه) (2164 ) والحاكم (1 / 435) والبيهقي (4 / 302) وأحمد (6 / 368) والضياء المقدسي في (الاحاديث المختارة) (ق 114 / 1) ، عن سفيان بن حبيب والوليد ابن مسلم وأبي عاصم ، بعضهم عن هذا وبعضهم عن هذا وهذا ، والضياء أيضا في (المنتقى من مسموعاته بمرو) (ق 34 / 1) عن يحيى بن نصر كلهم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الحديث

فذكر الجميع الحديث كاملا إلا الترمذى ذكره دون زيادة (إِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ).

الوجه الثاني : عنه عن خالد عن عبد الله بن بسر مرفوعا ليس فيه (عن أخته الصماء) . رواه عيسى بن يونس عنه وتابعه عتبة بن السكن عنه أخرجه ابن ماجه وعبد بن حميد في (المنتخب من المسند) (ق 60 / 1) والضياء في (المختارة) (106 / 2 و 107 / 1) عن عيسى ، وتمام في (الفوائد) (109 / 1) عن عتبة.

الوجه الثالث : عنه عن خالد عن عبد الله بن بسر عن أمه ، بدل ( أخته ) . رواه أبو بكر عبد الله بن يزيد المقري سمعت ثور بن يزيد به . أخرجه تمام أيضا. 

الوجه الرابع : وقيل عن عبد الله بن بسر عن الصماء عن عائشة . ذكره الحافظ في (التلخيص) (200) وقال : (قال النسائي : حديث مضطرب) . فان الوجه الأول اتفق عليه ثلاثة من الثقات ، والثاني اتفق عليه اثنان أحدهما وهو عتبة بن السكن متروك الحديث كما قال الدارقطني فلا قيمة لمتابعته . والوجه الثالث ، تفرد به عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة ولكن أشكل على أنني وجدته بخطى مكنيا بأبى بكر ، وهو إنما يكنى / صفحة 120 / بابى عبد الرحمن وهو من شيوخ أحمد . والوجه الرابع لم أقف على اسناده . ولا يشك باحث أن الوجه الاول الذي اتفق عليه الثقات الثلاثة هو الراجح من بين تلك الوجوه ، وسائرها شاذة لا يلتفت إليها . على أن الحافظ حاول التوفيق بين هذه الوجوه المختلفة فقال عقب قول النسائي (هذا حديث مضطرب) : (قلت : ويحتمل أن يكون عبد الله عن أبيه ، وعن أخته ، وعند أخته بواسطته وهذه طريقة من صححه ، ورجح عبد الحق الرواية الاولى وتبع في ذلك الدارقطني) . قلت وما رجحه هذا الامام هو الصواب ان شاء الله تعالى. 

ثم وجدت لثور بن يزيد متابعا جيدا , فقال الامام احمد (6-368) (6-369) ثنا الحكم بن نافع قال : ثنا اسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدى عن لقمان بن عامر عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن اخته الصماء.

وهذا اسناد جيد رجاله كلهم ثقات فإن إسماعيل بن عياش ثقة في روايته عن الشاميين وهذه منها . فهذا يؤيد الوجه الاول تأييدا قويا ، ويبطل إعلال الحديث بالاضطراب إبطالا بينا ، لانه لو سلمنا أنه اضطراب معل للحديث فهذا الطريق لا مدخل للاضطراب فيه . والحمد لله على توفيقه ، وحفظه لحديث نبيه صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء ما يؤيد الوجه الثاني من وجوه الاضطراب ، فقال يحيى بن حسان : سمعت عبد الله بن بسر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكره مختصرا دون الزيادة. أخرجه أحمد (4 / 189) والضياء في (المختارة) ( 14 / 1) .

 قلت : وهذا سند صحيح رجاله ثقات ، ويحيى بن حسان هو البكري الفلسطيني , وتابعه حسان بن نوح قال : سمعت عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ترون يدي هذه ؟ بايعت بها رسول الله وسمعته يقول : فذكره بتمامه . أخرجه الدولابي في (الكنى) (2 / 118) وابن حبان في (صحيحه) (940) وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (9 / 4 / 1) والضياء في (المختارة) (106 / 1 - 2). ورواه أحمد في (المسند) (4 / 189) من هذا الوجه ولكن لم يقل : (سمعته) ، ووإنما قال : (ونهى عن صيام . . .) . وهو رواية للضياء أخرجوه من طريق مبشر بن اسماعيل وعلى بن عياش كلاهما عن حسان به . وخالفهما أبو المغيرة نا حسان بن نوح قال : سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله : فذكره . أخرجه الروياني في (مسنده) (30 / 224 / 2 ) : نا سلمة نا أبو المغيرة . قلت : وهذا سند صحيح ، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير حسان بن نوح وثقه العجلى وابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات وقال الحافظ في (التقريب) : (ثقة) . / صفحة 123 / قلت : فإما أن يقال : ان حسانا له إسنادان في هذا الحديث احدهما عن عبد الله بن بسر ، والاخر عن أبى أمامة ، فكان يحدث تارة بهذا ، وتارة بهذا ، فسمعه منه مبشر بن إسماعيل وعلي بن عياش منه بالسند الاول ، وسمعه أبو المغيرة - واسمه عبد القدوس بن الحجاج الخولاني - منه بالسند الاخر ، وكل ثقة حافظ لما حدث به. واما أن يقال : خالف أبو المغيرة الثقتين ، فروايته شاذة ، وهذا أمر صعب لا يطمئن له القلب ، لما فيه من تخطئة الثقة بدون حجة قوية . فان قيل : فقد تبين من رواية يحيى بن حسان وحسان بن نوح أن عبد الله بن بسر قد سمع الحديث منه صلى الله عليه وسلم ، وهذا معناه تصحيح للوجه الثاني أيضا من وجوه الاضطراب المتقدمة ، وقد رجحت الوجه الاول عليها فيما سبق ، وحكمت عليها بالشذوذ ، فكيف التوفيق بين هذا التصحيح وذاك الترجيح ؟

 والجواب : ان حكمنا على بقية الوجوه بالشذوذ وإنما كان باعتبار تلك الطرق المختلفة على ثور بن يزيد ، فهو بهذا الاعتبار لا يزال قائما . لما وجدنا الطريقين الاخرين عن عبد الله بن بسر يوافقان الطريق المرجوحة بذاك الاعتبار ، وهما مما لا مدخل لهما في ذلك الاختلاف ، عرفنا منهما صحة الوجه الثاني من الطرق المختلفة . بعبارة أخرى أقول : ان الاضطراب المذكور وترجيح أحد وجوهه إنما هو باعتبار طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن ابن بسر ، لا باعتبار الطريقين المشار إليهما بل ولا باعتبار طريق لقمان بن عامر عن خالد بن معدان ، فانها خالية من الاضطراب أيضا وهى عن عبد الله بن بسر عن اخته الصماء ، وهي من المرجحات للوجه الاول ، وبعد ثبوت الطريقين المذكورين ، . . يتبين أن الوجه الثاني ثابت أيضا عن ابن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم باسقاط أخته من الوسط . والتوفيق بينهما حينئذ مما لابد منه وهو سهل ان شاء الله تعالى ، وذلك بان يقال : ان عبد الله بن بسر رضي الله عنه سمع الحديث أولا من أخته الصماء ، ثم سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة . فرواه خالد بن معدان عنه على الوجه الاول ، ورواه يحيى وحسان عنه على الاخر وكل حافظ ثقة ضابط لما روى).انتهى كلام الألبانى رحمه الله تعالى. والخلاصة أن الحديث صحيح خالٍ من الاضطراب.

إذن يتبين لمن له أدنى معرفة بعلم المصطلح أن الحديث صحيح غاية في الصحة وقد أتى عن عبد الله بن بسر من ثلاث طرق لا يستطيع أحد أن يعله و جاء عن أبي أمامة بإسناد جيد، وعبد الله بن بسر سمع الحديث أولاً من أخته الصماء ثم سمعه من النبي صصص مباشرة ، فكان أحياناً يحدث عن أخته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سماعاً منها و أحياناً يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سماعاً منه ومما يرجح هذا الكلام أن الامام ابا زرعة الدمشقي قال قال لى دحيم : (( أهل بيت أربعة صحبوا النبى صلى الله عليه وسلم : بسر ، و ابناه : عبد الله و عطيه ، و ابنته أختهما الصماء)) . ( تهذيب الكمال)وبذلك يتبين ضعف قول شيخ الإسلام بن تيمية وابن حجر وقول الإمام مالك رحمه الله إنه كذب ، فقد علق عليه الإمام النووي بقوله (لا يقبل هذا منه وقد صححه الأئمة) ذكره بن الملقن في خلاصة البدر المنير (103\1)، ولا يُعرف اسناده عن مالك رحمه الله و كذلك تبين ضعف قول النسائي والطحاوي.

3- القائلون بالجواز قالوا : إن هذا الحديث منسوخ

 قال ابن حجر في التلخيص : (وادَّعى أبو داود : أنَّ هذا منسوخ؛ ولا يتبين وجه النسخ فيه؛ قلت : يمكن أن يكون أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر، ثم في آخر أمره قال: خالفوهم؛ فالنهي عن صوم يوم السبت يوافق الحالة الأولى، وصيامه إياه يوافق الحالة الثانية؛ وهذه صورة النسخ، والله أعلم )إنتهى.

ثم ذكر في الفتح سبب نسخَه فقال : (وصرح أبو داود بأنه منسوخ؛ وناسخه : حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول : "أنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم". وفي لفظ : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد؛ أخرجه أحمد والنسائي، وأشار بقوله: "يوما عيد" إلى أنَّ يوم السبت عيد اليهود والأحد عيد النصارى، وأيام العيد لا تصام، فخالفهم بصيامه). إنتهى. 

لكنَّ رأيَ ابن رشد في بداية المجتهد أنَّ ناسخَه غيرُ ذلك إذ يقول : (قالوا : والحديث  منسوخ؛ نسخه : حديث جويرية بنت الحارث : أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال : "صمت أمس؟" فقالت : لا، فقال : "تريدين أن تصومي غداً؟"، قالت : لا، قال : "فافطري).إنتهى.

إذن فالحديث منسوخ بأمرين :

• الأمر الأول : حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول : (أنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم). 

• الأمر الثاني : حديث جويرية بنت الحارث : أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها
 يوم الجمعة وهي صائمة، فقال : (صمت أمس؟" فقالت: لا، فقال : "تريدين أن تصومي  غداً؟"، قالت : لا، قال : "فافطري). البخاري , وفي معناه حديث أبي هريرة (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده). متفق عليه.

القائلون بالنهي ردوا على ذلك فقالوا : 

أن حديث الصماء هو ناسخ لأحاديث الجواز وذلك لسببين اثنين :

الأول : أن راوي حديث المنع وهو عبدالله بن بسر من آخر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم موتًا من أهل الشام. قال البخاري في (( التاريخ الكبير ))(14/5) : قال علي - يعني ابن المديني -: سمعت سفيان ، يقول : قلت للأحوص : كان أبو أمامة آخر من
مات عندكم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟ قال : كان بعده عبد الله بن بسر قد رأيته ".

والثاني : وهو أن حديث المنع ناقل عن حكم الأصل وهو الإباحة فيصار إليه . قال صاحب كتاب ((التقرير والتحبير )) : "في التخصيص أو يكون من قبل الزمان حكما كالمحرم ؛ أي كتقديمه على المبيح إذا عارضه اعتبارا له ـ أي للمحرم ـ متأخرا عن المبيح ؛ كي لا يتكرر النسخ على تقدير كون المحرم مقدما على المبيح بناء على أصالة الإباحة .

فإن المحرم حينئذ يكون ناسخا للإباحة الأصلية ثم المبيح يكون ناسخا للمحرم بخلاف تقدير كون المحرم متأخرا مع القول بأصالة الإباحة ،فإنه لا يتكرر النسخ ؛ لأن المبيح وارد لإبقائها حينئذ والمحرم ناسخ له ، والأصل عدم التكرار .

وتقدم ما في أصالة الإباحة في المسألة الثانية من مسألتي التنزل في فصل الحاكم من البحث والتحرير فليطلب ثمة ـ ولأنه ؛ أي تقديم المحرم على المبيح الاحتياط ؛ لأن فيه زيادة حكم هو نيل الثواب بالانتهاء عنه ، واستحقاق العقاب بالإقدام عليه ؛ وهو ينعدم في المبيح والأخذ بالاحتياط أصل في الشرع ".

ولفظ حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها : أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ ، فَقَالَ : (( أَصُمْتِ أَمْسِ )) ؟ قَالَتْ : لَا ، قَالَ : تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا ؟ قَالَتْ : لَا ، قَالَ : (( فَأَفْطِرِي )). رواه البخاري. ومثله حديث أبي هريرة مرفوعا : (( لايصوم احدكم يوم الجمعة الا يوما قبله او بعده )). أخرجه البخاري .

وهذان الحديثان فيهما النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم , فمن أفرده بالصوم يصير صيام يوم السبت فرضا بحق مَن صام الجمعة ولم يسبقها بصيام الخميس , والأمر بالافطار دليل على فرض صيام يوم مع يوم الجمعة إما يوم الخميس قبله وإما يوم السبت بعده , فيكون صيام يوم السبت داخلا في صيام الفرض اذا لم يصم يوم الخميس , ولهذا قال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( أصمت أمس )) وهو يوم الخميس فأجابت بالنفي , فقال لها تصومين غدا, وهو يوم السبت لانه فرض عليها ان تصوم قبل الجمعة أو بعدها ولا يجوز افراد يوم الجمة بصيام ولهذا قال لها " فأفطري " وهذا أمر يقتضي الوجوب, ولا يجوز جمع هذه الأيام كلها بالصيام , فيصوم مع يوم الجمعة يوما قبله ويوما بعده فاذا صام قبل يوم الجمعة يوم الخميس فلا يجوز له ان يصوم يوم السبت لانه حينئذ لايكون فرضا عليه فاذا صام قبل يوم الجمعة يوم الخميس وصام بعده يوم السبت فقد وقع في النهي من جهتين , من جهة مخالفته لحديث آل بسر وحديث أبي هريرة وحديث جويرية من جهة اخرى .

أيضا يوجد رد آخر

أما الأمر الأول : وهو حديث أم سلمه رضي الله عنها : (أن رسول الله ﷺ اكثر ما كان يصوم من الأيام السبت والأحد)فيمكن الاجابة عليه من وجهين:

الوجه الأول : هذا الحديث ضعيف وذلك لجهالة حال راويين عبدالله بن محمد بن عمر وأبيه، ولم يتابعا. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد : (وفي صحة هذا الحديث نظر فإنه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب : وقد استنكر بعض حديثه).انتهى. وهذا الحكم- ضعف الحديث هو ما استقرَّ عليه الشيخ الألباني رحمه الله .

الوجه الثاني : وعلى فرض صحة الحديث فلا معارضة لأن حديثها رضى الله عنها فعل  وحديث النهي قول والقول مقدم على الفعل كما هو مقرر في علم الأصول كما قد يقال أن صيام السبت والاحد يحتمل الخصوصية بالرسول صلى الله عليه وسلم  كما ان حديث أم سلمه رضي الله عنها إباحة وحديث النهى حظر والحظر مقدم على الإباحة كما هو مقرر في علم الأصول نقول هذا على فرض صحة هذا الحديث والأمر ليس كذلك فالحديث ضعيف ولا يصح ان يكون ناسخا لحديث ابن بسر الصحيح. 

وأما الأمر الثاني : حديث جويرية بنت الحارث : أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال : (صمت أمس؟ فقالت : لا، فقال : "تريدين أن تصومي غداً؟" قالت: لا، قال: فافطري)البخاري. فالجواب من وجوه :

1- دعوى النسخ لا يصار إليها إلا بعد تعذر الجمع ومعرفة السابق واللاحق وهو غير متيسر هنا .

2- لا تعارض بين الحديثين فقد قال شيخنا الشيخ الألباني رحمه الله : (من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت وهذا فرض لينجو من إثم مخالفة الإفراد ليوم الجمعة فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبت : إلا فيما افترض عليكم، ولكن هذا إنما لمن صام الجمعة وهو غافل عن النهي عن إفراده أما من كان على علم بالنهي فليس له أن يصومه لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه فلا يدخل – و الحالة هذه تحت العموم المذكور ومنه يعرف الجواب عما إذا اتفق يوم الجمعة مع يوم فضيلة فلا يجوز إفراده كما لو وافق ذلك يوم السبت لأنه ليس ذلك  فرضاً عليه).انتهى.

فإن لم ترضوا بهذا الجمع :

فاعلموا أنَّ الأدلة متعارضة وحينئذ لا بدَّ من التسليم لقواعد الترجيح ومنها :

3- كقاعدة  "المنطوق مقدَّم على المفهوم" فحديث جويرية مسوق أصلا في حكم صوم يوم الجمعة أي في متى يشرع صومه؟ فكان قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : (إلا يوماً قبله أو بعده) فجواز صوم يوم السبت فى هذا الحديث يؤخذ تبعاً من قوله (أو بعده)، أما لو نظرنا إلى حديث النهي عن صيام يوم السبت علمنا أنَّ الحديث مسوق أصلا في حكم صوم السبت متى يشرع صومه؟ 

فكان قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : (إلا فيما افترض عليكم) والمسوق أصلا مقدَّم على المسوق تبعاً فحديث جويرية يدل بدلالة المفهوم أما حديث النهي فيدل بدلالة المنطوق والمنطوق مقدم على المفهوم كما لا يخفى في علم الاصول . 

1- أيضا حديث النهي عن صيام يوم السبت حاظر وحديث جويرية غاية ما يفهم منه الإباحة و قد تقرر في الأصول أن الحاظر مقدم على المبيح .

2- وأيضا حديث النهي غير محتمل ، وحديث جويرية محتمل والنص إذا تطرق إليه الاحتمال سقط الاستدلال . 

وكذلك حديث أبي هريرة رضى الله عنه الكلام فيه مثل الكلام في حديث جويرية فإما ان يجمع بينها بما تقدم وإما ان يرجح بالقواعد السالفة الذكر وبهذا يتبين ضعف دعوى النسخ ويتبين أن الحديث خالٍ من هذه العلة.

4- القائلون بالجواز قالوا : أن هذا الحديث شاذ 

قال شيخ الإسلام ابن تيميه : (إنه لا يكره صوم يوم السبت مفردا وإن الحديث شاذ أو منسوخ).اه

فقد صرح النبي ﷺ بجواز صيام يوم السبت بل بإستحبابه كما في :

• حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر: السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر : الثلاثاء والأربعاء والخميس). أخرجه الترمذي وحسنه.

• حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول : (أنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم).

• حديث جويرية بنت الحارث : أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال : (صمت أمس؟ فقالت: لا، فقال : "تريدين أن تصومي غداً؟"، قالت: لا، قال: فأفطري) البخاري , فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تريدين أن تصومي غداً؟") فاليوم الذي بعده هو السبت , وحديث ابي هريرة (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده). متفق عليه.

كما أن الحديث مخالف لعموم الاحاديث الدالة على استحباب صيام بعض الايام والتي قد يقع السبت فيها ومنها :

• إفطار يوم وصوم يوم , قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا).متفق عليه , وقد يوافق السبت يوم الصيام. 

• صيام ثلاثة أيام من كل شهر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ)متفق عليه , وهذا مطلق بأن يصوم أي ثلاثة أيام من الشهر , والسبت أحدها.

• صيام الست من شوال قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ). مسلم , وقد يوافق السبت واحداً منها.

• صيام أكثر شعبان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ). البخاري , والسبت داخل فيه.

• يوم عرفة عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ). مسلم , ويمكن أن يصادف يوم سبت , وهذا ينطبق على صيام عاشوراء فقد يصادف يوم السبت أيضا.

• صوم الأيام البيض عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا صُمْتَ شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ). صححه الألباني.فقد يوافق احد هذه الايام يوم سبت. 

 فلماذا لم يستثن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من تلك الأيام المستحب صيامها صيام يوم السبت؟ لماذا لم يرد عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنَّه قال بعد أن ذكر تلك الأيام المستحبة : (إلا إذا كان يوم السبت؛ فلا تصوموه)؛ والقاعدة الأصولية معروفة : "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة"؛ فالوقت وقت بيان؛ فلماذا لم يبين النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذلك لأمته.

القائلون بالنهي ردوا على ذلك فقالوا : 

القول بشذوذه أبعد إذ لا مخالفة فيه أما كونه معارضا بغيره فلا نعرف من يسمى هذا شذوذا ولو عملنا بذلك لحكمنا على كثير من الأحاديث المختلفة بشذوذ بعضها ولا قائل به والله أعلم.

قال الشيخ العوايشة حفظه الله فى الموسوعة الفقهية : أمّا دعوى الشذوذ فهي إِمّا إِسنادية أو متنية، فمن حيث الإِسناد، فالحديث صحيح دونما ريب. أمّا من حيث المتن، فلم ترِد هذه الدعوى على أصحابها إِلا بعد تعذُّر الجمع والتوفيق عندهم ولا يُلْجَأُ إِلى ادّعاء الشذوذ بمجرد هذا التعذُّر. وليس التعريف العلمي الاصطلاحي للشذوذ منطبقاً على هذا النوع من مظنّة التعارض، كما لا يخفى. انتهى باختصار

أما بخصوص حديث عائشة رضي الله تعالى عنها" (كان رسول الله ﷺ يصوم من الشهر: السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر : الثلاثاء والأربعاء والخميس).أخرجه الترمذي. 

قال العظيم آبادي في عون المعبود [7/50] : ( وقد طعن في هذا الحديث جماعة من الأئمة مالك بن أنس وابن شهاب الزهري والأوزاعي والنسائي، فلا تغتر بتحسين الترمذي وتصحيح الحاكم ).انتهى.

فالحديث له علتان :

1- الوقف.  2- الإرسال. 

فالحديث لا يصح مرفوعاً ولا موقوفاً ولقد ضعفه الالباني رحمه الله تعالى.

وأما بخصوص حديث أم سلمة وحديث جويرية بنت الحارث وحديث ابي هريرة فقد تمت الاجابة عليه عند الكلام على الاعتراض على الحديث بأنه منسوخ فلا داعى لمعاودتها.

أما عن باقي الاحاديث الدالة على استحباب صيام بعض الايام والتي قد يقع السبت فيها فالجواب عليها يكون بسؤال لكم فنقول :

ماذا لو وافق يوم العيد يوم الخميس أو يوم الاثنين؟

 وقد جاء عَنْ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ : أَنَّهُ انْطَلَقَ مَعَ أُسَامَةَ إِلَى وَادِي الْقُرَى فِي طَلَبِ مَالٍ لَهُ فَكَانَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ لِمَ تَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ (كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ)صححه الألباني 

 فيومي الإثنين والخميس يستحب فيهما الصيام ولقد مر معنا كيف كان الصحابة يحافظون على صيامهما رغم كبر السن فهما يومان تعرض فيهما الاعمال فماذا لو وافق أحد هذين اليومين يوم عيد كعيد الفطر أو عيد الاضحى فهل ستقولون بصيام ذلك اليوم لما فيه من الفضل الكبير أم تقولون بإفطار ذلك اليوم؟

القائلون بالجواز قالوا : 

نقول بعدم جواز صيام ذلك اليوم رغم ما فيه من الفضل المذكور وذلك لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام يومى العيد لما جاء عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : (هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ). متفق عليه.

القائلون بالنهي قالوا :

وجوابنا كجوابكم وذلك لأن النبي ﷺ نهى عن صيام يوم السبت وذلك لما جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ). 

 بل نحن نقول أن النهي الوارد في صيام يوم السبت آكد من النهى الوارد في صيام يومي العيد فعند النهى عن صيام يومي العيد قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صِيَامِهِمَا). 

أما عند نهيه ﷺ عن صيام السبت فقد أكدها بثلاثة مؤكدات هي :

الأولى :  قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ)والأصل في النهي التحريم .

الثانية :  قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) وإلا تفيد الحصر فلا يدخل غير المحصور .

الثالثة : شدة النهي على صيام هذا اليوم حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ...). فالسبب الذي ق بعدم جواز صيام يوم العيد إذا وافق يوما يستحب صيامه هو نفس السبب الذي قلنا به بعدم جواز صيام يوم السبت إذا ما وافق يوما يستحب صيامه.

ثم إنَّ هذه الأدلة الدالة على إستحباب تلك الأيام عامة أى أنَّها على مدار أيام السنة وحديث : (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) خاص في حكم صيام يوم السبت فيكون الجمع أنَّ هذه الأيام يشرع صيامها على مدار أيام السنة إلا في أوقات النهي ومنها يوم السبت فتكون هذه الاحاديث عامة وخصصت بحديث السبت فيحمل العام على الخاص وهذه طريقة الجمع بين الأدلة.

القائلون بالجواز قالوا :

إن تشبيهكم يوم السبت بيومي العيد غير صحيح فالفرق بين النهي عن صيام يومي العيد ويوم السبت من أوجه وهي : 

أولاً : أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كان يصوم يوم السبت والأحد ويعزو ذلك إلى حبه مخالفة أهل الكتاب ، وهذه العلة لم توجد في يومي العيدين.

ثانياً : لم يرد عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أو أحد من أصحابه أنهم صاموا يومي العيدين، بخلاف يوم السبت فثبت أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - أمر بصيامه لمن صام الجمعة ولم يصم الخميس. 

ثالثاً : النهي عن صيامهما قد شاع وذاع في الأخبار ،و مجمعٌ على حرمة صيامهما , أما السبت فمختلف فيه.

فهذه الفروق تَرُدُّ على من أراد التسوية بين النهي عن صيام يومي العيدين وبين النهي عن صيام السبت.

القائلون بالنهي قالوا :

 أما بخصوص الفوارق بين يوم السبت ويومي العيد فهى على النحو الاتي :

• أما عن صومه ﷺ يوم السبت والأحد ويعزو ذلك إلى حبه مخالفة أهل الكتاب فهذا الحديث سبق الاشارة عليه  خلاصته أن هذا الحديث ضعيف.

• وأما أنه لم يرد أن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أو أحدا من أصحابه صاموا يومي العيدين بخلاف يوم السبت فثبت أن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمر بصيامه لمن صام الجمعة ولم يصم الخميس فنقول :

أما أمره بصيام يوم السب لمن صام الجمعة فهذا صحيح وهذا داخل في استثناء الحديث لأنه كما سبق الإشارة من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت وهذا فرض لينجو من إثم مخالفة الإفراد ليوم الجمعة فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبت (إلا فيما افترض عليكم).

وأما بخصوص أن النهي عن صيام يومي العيد قد شاع وذاع في الأخبار فهذا غير لازم فإن الكثرة ليست معيارا للصحة وعدمه فهذا خروج عن الموضوع وأما أن يومي العيد مجمعٌ على حرمة صيامهما وأن السبت مختلف فيه فإن هذا الأمر يجر إلى أمر أعظم منه ألا وهو عدم العمل بدلالة النص إلا إذا اجتمع أهل العلم على القول به وهذا يعني تعطيل العمل بالكثير من النصوص لعدم الإجماع عليها ذلك لأنَّكم فرقتم في الحكم بين حالتين متشابهتين لا لشيء إلا لكون إحداهما مجمعٌ عليها والأخرى مختلف فيها

ثم نسألك هل تصوم اليوم الثالث عشر من أيام التشريق باعتبار أنه أول الأيام البيض؟

القائلون بالجواز قالوا :

لا ، لأن النبي ﷺ نهى عن صيام أيام التشريق وذلك لما جاء عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إِلَيْهِمَا طَعَامًا فَقَال : ( كُلْ فَقَالَ إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ عَمْرٌو كُلْ فَهَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا ). صححه الألباني .

القائلون بالنهي قالوا :

وجوابنا كجوابكم وذلك لأن النبي ﷺ نهى عن صيام يوم السبت وذلك لما جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ : (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ......الحديث).

لطيفة : ثم إن الذي نهانا عن صيام يوم السبت هو الذي استحب لنا صيام بعض هذه الأيام التي ذكرتموها (وَهُوَ اللّهُ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الاُولَىَ وَالاَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)القصص70 .

وإنما كان الأمر بإفطار يوم السبت إذا ما وافق صيامه يوم فضيلة بسبب دليل شرعي يحتم علينا هذا الإفطار وليس عن هوى نفس فإذا كان الأمر كذلك فقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال : ( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه)صححه الألباني. وعليه فإننا نقول إن الله سبحانه وتعالى بكرمه ومنّه سيعوضنا خيراً مما هو مذكور في فضلية صيام الأيام المذكورة سابقاً  وذلك بنص الحديث الشريف : (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه). وخلاصة الأمر أن هذا الحديث صحيح سندا وغير شاذا متنا.


5- القائلون بالجواز قالوا : يحمل النهي على الإفراد.

  فلو صام يوماً قبله أو بعده لخرج من النهي ؟

القائلون بالنهي ردوا على ذلك فقالوا : 

سياق الحديث يأباه لأنه لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى .

6- القائلون بالجواز قالوا : لا يوجد أحد من السلف قال بحرمة صيام يوم السبت

 وإنما الخلاف بين العلماء في هذه المسألة منحصر بين القول بكراهة صيام السبت في التطوع منفرداً وبين القول بجواز صيامه منفرداً، ولا يوجد قول ثالثاً في المسألة سوى القولين السابقين فمن قال بقولكم في هذه المسالة ومن فهم من السلف أن هذا الحديث يدل على حرمة صيام يوم السبت .

القائلون بالنهي ردوا على ذلك فقالوا : 

بادر البعض إلى تضعيفِ حديثِ النهي عن صيام يوم السبت وَ بعضهم استغربه وشجعهم على ذلك أنهم وجدوا من قال من العلماء : (( لا أعلمُ أحداً من الفقهاء قال به )) وَهذا نفيٌ وَهو ليس علم ، فإن من المعلوم عن أهل العلم أنَّ عدم العلم بالشئ لا يستلزمُ العلمَ بعدمه  فإذا ثبت الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجبت المبادرة إلى العمل به وَلايتوقف ذلك على معرفة موقف أهل العلم منه كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله :{ يُقبلُ الخَبر في الوقت الذي يثبتُ فيه وَإن لم يمضي عملٌ من الأئمةِ بمثلِ الخَبر الذي قبلوا ، إنَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يثبتُ بنفسه لا بعملِ غيره بعده }. اهـ

فحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجلُّ من أن يُستشهدَ عليه بعملِ الفقهاء فإنه أصلٌ مستقل حاكمٌ غير محكوم ، قال تعالى :{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}.

ومع ذلك إن الإجابة على إشكالكم هذا من أوجة :

الوجه الاول :

لقد قررنا سابقا أن هذا الحديث ظاهر الدلالة على النهى عن صيام يوم السبت فقد أكِّد بثلاث مؤكدات :

الأولى : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ) .والأصل في النهي التحريم ما لم يصرف إلى الكراهة أو الإباحة ولا صارف.

الثانية : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ). وإلا تفيد الحصر فلا  يدخل غير المحصور وهو قوله : افترض عليكم.

الثالثة : شدة النهي على صيام هذا اليوم حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ).

وقد بين شيخ الإسلام أن الحديث لا يحتمل إلا النهي ولهذا قال في الإقتضاء : ولا يقال : يحمل النهي على إفراده : لأنَّ لفظه : "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" والاستثناء دليل التناول، وهذا يقتضي أنَّ الحديث يعم صومه على كل وجه وإلا لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى فإنه لا إفراد فيه فاستثناؤه دليل على دخول غيره بخلاف يوم الجمعة فإنه بين أنه إنما نهى عن إفراده وعلى هذا : فيكون الحديث إما شاذاً غير محفوظ وإما منسوخا وهذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه .انتهى.

كما قرر ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله في حاشيته على سنن أبي داود : ( قوله في الحديث : "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم"دليل على : المنع من صومه في غير الفرض مفرداً أو مضافاً؛ لأنَّ الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي : أنَّ النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد لقال : "لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" كما قال في الجمعة!! فلما خصَّ الصورة المأذون في صومها بالفرضية علم تناول النهي لما قابلها).انتهى

ولكن بعد أن توصل ابن القيم رحمه الله إلى فهم الحديث حيث يوضح أن الحديث ( يقتضي : أنَّ النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض) يذهب إلى جواز صيام يوم السبت في غير الفرض ويعلل ذلك فيقول : (وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث وغيرها؛ كقوله في يوم الجمعة "إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" فدلَّ على أنَّ الحديث غير محفوظ وأنه شاذ!! .انتهى. 

فهذا ابن القيم يحكم على الحديث بالشذوذ لمعارضته لِما ذكر من أحاديث؛ (وقد رددنا على من قال بالشذوذ) ولولا ذلك لقال بظاهر الحديث وهو المنع من صومه في غير الفرض مفرداً أو مضافاً كما أشار هو في أول كلامه .

كما أن الحافظ العراقي يوضح أن الحديث ظاهر الدلالة على النهى بل يقول : هذا من المبالغة في النهي عن صومه لأنَّ قشر شجر العنب جاف لا رطوبة فيه ألبتة بخلاف غيره من الأشجار .انتهى.

فكما رأيت أخى المسلم أن الحديث من الناحية الفقهيه يدل دلالة واضحة على أن المقصود من النهي صيام يوم السبت عند ابن تيميه وابن القيم وغيره وإنما قالوا بخلاف ذلك لحكمهم على الحديث بالشذوذ أو النسخ وقد بينا سابقا أن الحديث خالٍ من هذه العلل.

فاذا تقرر ذلك وجب الأخذ بالحديث وإن لم يعرف أن أحداً عمل به فالحديث حجة بنفسه لا يحتاج إلى الاحتجاج به أن يعرف أن أحد من الأئمة عمل به . 

قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة :

لا يضر الحديث ولا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من الفقها لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود .انتهى. 

وقال ابن حزم في الإحكام :

فكل من أداه البرهان من النص أو الإجماع المتيقن إلى قول ما ولم يعرف أن أحداً قبله قال بذلك القول ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان ومن خالفه فقد خالف الحق ومن خالف الحق فقد عصى الله تعالى ولم يشترط تعالى في ذلك أن يقول به قائل قبل القائل به بل أنكر على من قاله إذ يقول عز وجل حاكيا عن الكفار منكراً عليهم أنهم قالوا : (مَاسَمعْنَا بـِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ) ص7  ومن خالف هذا فقد أنكر على جميع التابعين وجميع الفقهاء بعدهم لأن المسائل التي تكلم فيها الصحابة رضي الله عنهم من الاعتقاد والفتيا فكلها محصور مضبوط معروف عند أهل النقل من ثقات المحدثين وعلمائهم .

 فكل مسألة لم يرد فيها قول عن صاحب لكن عن تابع فمن بعده ، فإن ذلك التابع قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله بلا شك ، وكذلك كل مسألة لم يحفظ فيها قول عن صاحب ولا تابع وتكلم فيها الفقهاء بعدهم فإن ذلك الفقيه قد قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله .انتهى.

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين :

إذا كان عند الرجل الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من سنن رسول الله موثوق بما فيه فهل له أن يفتي بما يجده؟

فقالت طائفة من المتأخرين : ليس له ذلك لأنه قد يكون منسوخاً أو له معارض أو يفهم من دلالته خلاف ما دل عليه فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسأل أهل الفقه والفتيا .

 وقالت طائفة : بل له أن يعمل به ويفتي به بل يتعين عليه كما كان الصحابة يفعلون إذا بلغهم الحديث عن رسول الله وحدث به بعضهم بعضاً بادروا إلى العمل به من غير توقف ولا بحث عن معارض ولا يقول أحد منهم قط : هل عمل بهذا فلان وفلان ولو رأوا من يقول ذلك لأنكروا عليه أشد الإنكار وكذلك التابعون وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القوم .

وسيرتهم وطول العهد بالسنة ، وبعد الزمان وعتقها لا يسوغ ترك الأخذ بها والعمل بغيرها ولو كانت سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان لكان قول فلان أو فلان عياراً على السنن ، ومزكيا لها ، وشرطاً في العمل بها ، وهذا من أبطل الباطل وقد أقام الله الحجة برسوله دون آحاد الأمة 

وقد أمر النبي بتبليغ سنته ودعا لمن بلَّغها فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الإمام فلان والإمام فلان لم يكن في تبليغها فائدة وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان.انتهى.

وقال أيضا في إعلام الموقعين :

 فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم ثبت عن النبي أنه قال كذا وكذا يقول من قال بهذا؟ ويجعل هذا دفعاً في صدر الحديث أو يجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحل دفع سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل هذا الجهل وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة هذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله ودعم عمله بمن قال بالحديث ، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان . 

ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام البتة قال : لا نعمل بحديث رسول الله وَسَلَّمَ حتى نعرف من عمل به .انتهى.

وقال في كتاب الروح :

فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله  بل اذهب إلى النص ولا تضعف واعلم أنه قد قال به قائل قطعاً ولكن لم يصل إليك .انتهى.

الوجه الثاني :

نقول إن من السلف من قال بظاهر الحديث وهو راوي الحديث نفسه عبدالله ابن بسر وهو ما أخرج الإمام النسائي في سننه الكبرى (3/213 برقم2785) من طريق معاوية بن يحي أبي مطيع قال : حدثني أرطاة، قال : سمعت أبا عامر قال : سمعت ثوبان مولى النبيّ وسئل عن صيام يوم السبت قال : سلوا عبد الله بن بسر قال : فسئل، فقال : (يوم السبت لا لك ولا عليك). 

ولفظة (لا لك ولا عليك) لا تعني الجواز ولهذا وضع الإمام النَّسائي هذا الأثر الموقوف تحت باب : (النهي عن صيام يوم السبت).

ثم إنَّ لفظة (لا لك ولا عليك) تشابه لفظ حديث : (مَنْ صام الدهر فلا صام ولا أفطر)صححه الألباني. مع أنَّ صيام الدهر منهيٌ عنه بنصِّ قوله : (لا صام من صام الأبد لا صام من صام الأبد لا صام من صام الأبد)مسلم. وقوله : (من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا - وعقد تسعين)صححه الألباني. 

قال الشيخ الألبانى رحمه الله :

إذًا قوله : " لا لك " ، أي لا يشرع لك ، فإذا عرفت ذلك حينئذ استغنيت عن الاعتماد على تمام الحديث. 

" صيام يوم السبت لا لك ولا عليك " هذا اللفظ جاء مرفوعًا وجاء موقوفًا ، ( صيام يوم السبت لا لك ولا عليك ) إسناد الرواية المرفوعة فيها ابن لهيعة فيه ضعف ، إسناد الرواية الموقوف صحيحة أو جيدة أو حسنة ، فهي تفيدنا في موضع دعم الحديث المرفوع الذي جاء بأسانيد صحيحة عن عبد الله بن بسر : ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ) ، لا تصوموا يوم السبت ، هذا نهي واضح ، الحديث الموقوف ما فيه نهي ، فيه لا عليك ، يعني ما عليك شيء إن صمته ، لكن المسلم حينما يعرف المسألة من الناحية الفقهية لا يصومه لا يتجرأ على صيامه ، ولئن فعل فهو كما قال عليه السلام في صوم آخر ألا وهو صوم ا لدهر ( من صام الدهر لا صام ولا أفطر ) ، هذا على هذا تمامًا .

( من صام الدهر لا صام ولا أفطر ) ، هذا ما فيه نهي ، لكن فيه إخبار أنه ضيع وقته وعطشه وجوعه سدى فهو ما صام لكن في الواقع ما أفطر ، لأنه استمر ممسكًا عن الطعام والشراب ، إذًا هذا إضاعة للوقت وإضاعة للجهود ، وأخيرًا يأتي ابتداع في الدين ، ولذلك جاء في الحديث الآخر : ( من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا ) ، فهذا الحديث الموقوف ينفعنا نحن من الشطر الأول " صيام يوم السبت لا لك " ، ما يضرنا آخره لا عليك ، لأننا نحن نأخذ من الكلام الموقوف ما يوافق الكلام المرفوع إلى الرسول عليه السلام  هذا واضح .اه (سلسلة الهدى والنور-(166))

وقال أيضا رحمه الله :

 عندما سئل راوي الحديث عن صيام يوم السبت فقال : صيام يوم السبت لا لك ولا عليك. فهذا اقتباس منه من قوله صلى الله عليه وسلم فيمن صام الدهر لا صام ولا أفطر
 فهل تأمرون صائم الدهرأن يصوم أم بأن يفطر؟ لا شك بأن القول بالإفطار

فما أظن أن القول بصيام الدهر صحيح لأن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر أنه صام مع العلم بقوله صلى الله عليه وسلم بمن صام الدهر لا صام ولا أفطر كذلك فإن صيام الدهر مرجوح .

 كذلك فعندما نعود إلى قول الراوي عن صيام يوم السبت لا صام ولا أفطر فماذا نفهم من هذا الحديث ؟ هل نفهم منه أنه يحض على صيام يوم السبت أم على إفطاره؟ ونقول على أن قول الرسول في الحديث السابق أبلغ وأفصح وآكد للنهى من قول هذا الراوي لكن الراوي تفنن في التعبير ولفت النظر إلى قول الرسول من صام الدهر فلا صام ولا أفطر تفنن فى التعبير أي ليس له أجر وليس له ثواب هذا الكلام من هذا الراوي. 

أنا في الحقيقة مما يفيدني جداً ويفضل إفطاري على صيام الآخرين ذلك لأن هذا الصحابي يقول صيام الآخرين كصيام الدهر لا صام ولا أفطر أما أنا فأترك صيام يوم السبت لله والله يعوضني خيراً منه .انتهى من (سلسلة الهدى والنور)

 وقال أيضا رحمه الله :

وإذا عرفت ما تقدم فمن الظلم للسنة والانحراف عنها أن يبادر بعض المعاصرين إلى الشك في صحة هذا الحديث بل الجزم بضعفه، فضلاً عن القول بأنه كذب! والله المستعان .انتهى

قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح كتاب بلوغ المرام :

 (ولمسلم من حديث أبي قتادة : بلفظ : مَنْ صام الدهر فلا صام ولا أفطر. فلا صام نفي والظاهر أنه خبر محض لا يُقصد به الدعاء والمعنى أنه لم يحصل على أجر الصوم فلا هو الذي حصل له الأجر بالصيام ولا الذي حصلت له الراحة بالفطر).

ثم ذكر الشيخ رحمه الله فـوائـد الحـديــث فقال : (النهي عن صوم الدهر واختُلف في العلة , قيل : لأنه سيصوم أيام التشريق والعيدين وإذا أفطرها فلا يصدق عليه أنه صام الأبد لأنه أفطر من الأبد خمسة أيام وحملوه على أن المراد من صام الأيام المحرمات لكنه ضعيف جدا ولا ينبغي أن يعول عليه لأن صيام الأيام المحرمة ممنوع وإن لم يصم الأبد. 

والصحيح أن من صام الأبد سوى الأيام المحرمة فلا يحصل له الثواب لأنه لا بد من ترك أشياء يقوم بها يمنعه الصيام من القيام بها كحق الزائر والبدن والأهل , لو نذر صيام الدهر كله فالنذر محرم لا يجوز الوفاء به فليفطر ، وإذا أفطر فعليه الكفارة لأنه فوت ما نذر ... ولهذا كان الراجح أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به وفيه كفارة يمين . انتهى من (مؤلفات العثيمين-الموسوعة الشاملة)

هذا وقد جاء الحديث عن صحابى آخر وهو أبي أمامة رضى الله عنه والحديث في السلسلة الصحيحة رقم(3101) عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تصم يوم السبت إلا في الفريضة ولم تجد إلا لحاء شجرة فأفطر عليه). فهذا الحديث لم يرو من آل بسر فقط كما يظن  بل شاركهم في روايته الصحابي أبي أمامة رضي الله عنه فانتبه . 

الوجه الثالث :

ما نقل عن بعض الأئمة من وجود اختلاف بين العلماء ومنهم من قال بالنهى مطلقا عن صيام يوم السبت ومن هذه الاقوال : 

ما نقل الطحاوي في كتابه شرح معاني الأثار : فذهب قوم إلى هذا الحديث فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا. وخالفهم في ذلك آخرون ، فلم يروا بصومه بأسا وكان من الحجة عليهم في ذلك ، أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصام قبله يوم ، أو بعده يوم , وقد ذكرنا ذلك بأسانيده ، فيما تقدم من كتابنا هذا ، فاليوم الذي بعده ، هو يوم السبت , ففي هذه الآثار المروية في هذا ، إباحة صوم يوم السبت تطوعا ، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ ، الذي قد خالفها . انتهى. 

فقوله : (فذهب قوم إلى هذا الحديث فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بصومه بأسا)تدل على أن هناك من العلماء من قال بالنهى مطلقا.

وكلمة فكرهوا في كلامه رحمه الله هى كراهة التحريم لا التنزيه وذلك لأمور هى :

الأمر الأول : وضوح معنى الحديث على النهى مطلقا كما وضحناه سابقا.

الأمر الثاني : أن الطحاوي نفسه يعرف أن الحديث ظاهر الدلالة على النهى حيث قال :(ففي هذه الآثار المروية في هذا إباحة صوم يوم السبت تطوعا وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ الذي قد خالفها .اه. فهو يحكم على الحديث بالشذوذ لان هناك أحاديث تجيز صيام السبت وهذا الحديث يخالفها أى يحرم صيامه فحكم عليه بالشذوذ.

الأمر الثالث : أن الأحناف إذا أطلقوا الكراهة فإنهم يريدون بها الكراهة التحريمية. قال الشيخ الألبانى فى تحذير الساجد : والكراهة عن الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم كما هو معروف لديهم .انتهى. وكما هو معلوم فالطحاوى كان حنفي المذهب.

الأمر الرابع : أن السلف الصالح عامة كانوا يطلقون المكروه على كراهة التحريم وأحيانا كانوا يقصدون بها كراهة التنزيه ولكن كانوا أكثر ما يطلقونها على الشيء المحرم فكانوا يطلقون المكروه على الشيء المحرم تورعا إذ الأصل عندهم في كلمة مكروه هي للتحريم.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين :

فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حصل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فقط ، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث . انتهى.

وقال في بدائع الفوائد :

وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله أو مكروه فأكثر ما تستعمل في المحرم وقد يستعمل في كراهة التنزيه . انتهى.

فاذا كانت أكثر ما تستخدم للتحريم كما قال ابن القيم وأنها قد – وقد تفيد التقليل- تستخدم للتنزيه أفمن العدل أن نحملها على التحريم أم على التنزيه ؟ أعتقد أن حملها على التحريم هو الصواب الذي لا يقول بخلافه عاقل ويزيده أن لفظ الحديث المقصود ظاهر الدلالة على التحريم , ويزيده أيضا ما يظهر من كلام الطحاوي السابق أنه كان عالما بمراد الحديث ولذلك حكم عليه بالشذوذ لمخالفة الاحاديث المبيحة لصيام السبت , فهذه القرائن الثلاثة توضح وضوحا لا مجال للشك فيه على أن ما قصده الطحاوي من كلمة الكراهة هي الكراهة التحريمية. 

نقول هذا مع أننا قد قلنا سابقا في الوجه الاول أن الحديث حجة بنفسه لا يحتاج إلى الإحتجاج به أن يعرف أن أحد من الأئمة عمل به بل ونقول أن من أهل العلم من عمل به ولكن لم نعرفه وهذا عين ما قاله ابن القيم في غير هذه المسألة (واعلم أنه قد قال به قائل قطعاً ولكن لم يصل إليك).انتهى. 

ما نقل عن الشيخ العثيمين رحمه الله في شرحه على زاد المستنقع : (وأما السبت فقيل : إنه كالأربعاء والثلاثاء يباح صومه. وقيل إنه لا يجوز إلا في الفريضة. وقيل إنه يجوز لكن بدون إفراد).انتهى.

ما نقل عن ابن رشد في كتابه بداية المجتهد حيث قال : (وأما الأيام المنهي عنها فمنها أيضا متفق عليها ومنها مختلف فيها. أما المتفق عليها فيوم الفطر ويوم الأضحى لثبوت النهي عن صيامهما. 

وأما المختلف فيها فأيام التشريق ويوم الشك ويوم الجمعة ويوم السبت والنصف الآخر من شعبان وصيام الدهر). إلى أن قال : (وأما يوم السبت، فالسبب في اختلافهم فيه اختلافهم في تصحيح ما روي من أنه عليه الصلاة والسلام قال : "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم"أخرجه أبو داود...انتهي كلامه باختصار.

6- القائلون بالجواز قالوا : نريد ان نعرف أحدا بعينه من السلف قال بهذا القول؟

القائلون بالنهي ردوا على ذلك فقالوا : 

عدم صيام يوم السبت إلا في الفرض مطلقاً قول طائفة من السلف على رأسهم الصحابى راوي الحديث عبد الله بن بسر وبحضور ثوبان رضي الله عن الصحابة أجمعين كما رواه النسائي عنه في الكبرى بإسناد جيد كما سبق وأيضا هو قول مجاهداً وطاوس بن كيسان وإبراهيم وخالد بن معدان 

قال الطحاوي رحمه الله في شرح المعاني ( 2 / 80 ) : فذهب قوم إلى هذا الحديث فكرهوا صوم يوم السبت تطوعاً. انتهى . وقال العيني في نخب الأفكار : أراد بالقوم هؤلاء : مجاهداً وطاوس بن كيسان وإبراهيم وخالد بن معدان فإنهم كرهوا صوم يوم السبت تطوعاً واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور .433 / 8 .انتهى

فالجهل بالقائل لا يُغيِّر من المسألة شيئاً بعد أن ثبت الخلاف فيها فليس معرفة القائل هو الأصل أو المراد وإنَّما معرفة أنَّ المسألة من مسائل الخلاف هو المراد.

 فليس من الواجب علينا أن نعرف أسماء المخالفين فالمهم أن هناك من السلف من قال بذالك وهذا هو المطلوب بل لعلَّ الجهل بالقائلين بالخلاف خير للباحث من حيث التجرد للحق ودفع الهوى الخفي من التعصب للقائل دون الحق .

سئل الشيخ الألباني رحمه الله في الشريط (182) :

 دائما ندندن حول عبارة "الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة" فعمن تنقلون من سلف الأمة قولهم بظاهر هذا الحديث؟

الشيخ :

جوابنا من ناحيتين فعندما نقول أننا سلفيون و لا نقول بقول إلا أن نسبق إليه، أظنك تعلم أن هذا نقوله في فهم النص عندما يكون له أكثر من معنى واحد، و بخاصة أنا شخصيا أعجمي الأصل فأنا أتهم نفسي والعرق دساس، لذلك عندما يكون هناك نص يحتمل أكثر من وجه فأنا أجبن حين ذاك إلا أن يكون لي سلف أما إذا كان الأمر واضحا مثل قوله تعالى { و إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها } فلا نحتاج إلى من سبقنا إلى القول بحيوا بأحسن منها لأن هذا نص صريح، وفي مثل هذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله أن الحديث يثبت الحكم به وحده وليس بحاجة أن يدعم بعمل بعض أهل العلم، أي الحديث الذي يكون هكذا واضحا . اهــ

وفي مثل ما قاله الإمام الألبانى رحمه الله يقول الإمام الشافعي رحمه الله : أن الحديث يثبت الحكم به وحده وليس بحاجة ان يدعم بعمل بعض اهل العلم. أي الحديث يكون هكذا واضحا فلا نحتاج الى من سبقنا في العمل وليس في الفهم أي إذا ثبت الفهم وجب العمل .

قال الامام الشافعي : اجمع المسلمون على ان من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل ان يدعها لقول احد .

وقال رحمه الله : ويجب ان يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه وان لم يمض عمل من الائمة بمثل الخبر .
.
وقال ابن القيم رحمه الله : ولم يكن الامام احمد رحمه الله يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب وعلى عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس اجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح.

فكلهم متفق على وجوب التمسك بالسنة والرجوع اليها وترك كل قول يخالفها مهما كان القائل به عظيما فان شأنه صلى الله عليه وسلم اعظم وسبيله أقوم .

::انتهى من بحث لأحد الأخوة بارك الله فيه::

قال الشيخ حسين العوايشة حفظه الله فى موسوعته الفقهية الشهيرة:

وملخّص أقوال العلماء الذين أجازوا صيام السبت لغير فريضة والتى كانت مختلفة لا مؤتلفة -والاختلاف في ماهية الشيء يدلّ على وهْنه وضعْفه كما لا يخفى فقد كانت تدور حول تضعيف الحديث السابق أو القول بشذوذه، أو نسخه، أو جواز صيامه مقروناً بغيره .

أمّا من جهة درجة الحديث فقد قال بثبوته جمْع من العلماء، فقد حسّنه الترمذي وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري وأقرّه الذهبي، وصححه ابن خزيمة وابن حبّان، وانظر طرقه في "تلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر (2/ 822). و"الإِرواء" (2) (960).

"أمّا دعوى الشذوذ فهي إِمّا إِسنادية أو متنية، فمن حيث الإِسناد، فالحديث صحيح دونما ريب.

أمّا من حيث المتن فلم ترِد هذه الدعوى على أصحابها إِلا بعد تعذُّر الجمع والتوفيق عندهم، ولا يُلْجَأُ إِلى ادّعاء الشذوذ بمجرد هذا التعذُّر. وليس التعريف العلمي الاصطلاحي للشذوذ منطبقاً على هذا النوع من مظنّة التعارض، كما لا يخفى". انتهى.

أمّا دعوى النسخ فإِنَّ النسخ لا يبطل بالاحتمال.

وأمّا جواز صيامه مقروناً مع غيره: فليس هنالك ما يشير من الأدلة على ذلك إِذ الاستثناء بيّن ... "إِلا فيما افتُرض عليكم".

أوما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قادراً أن يقول : "لا تصوموا يوم السبت مفرداً ... ". أو: "لا تصوموا السبت إِلا مقروناً مع غيره"؟!

جاء في "تمام المِنّة" (ص 406) : 

"وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفرداً يأباه قوله : "إِلا فيما افُترض عليكم"، فإِنه كما قال ابن القيم - رحمه الله- في "تهذيب السنن" : "دليل على المنع من صومه؛ في غير الفرض مفرداً أو مضافاً؛ لأنّ الاستثناء دليل التناول، وهو يقتضي أنّ النّهي عنه يتناول كل صور صومه إِلا صورة الفرض.

ولو كان إِنما يتناول صورة الإِفراد لقال : لا تصوموا يوم السبت إِلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، كما قال في الجمعهَ، فلمّا خصّ الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة؛ علم تناول النهي لما قابلها".

قلت [أي: شيخنا -رحمه الله-]: وأيضاً لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها؛ لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض؛ لأنّ شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران، فإِذا استثنا الفرض وحده؛ دلّ على عدم استثناء غيره؛ كما لا يخفى ... " انتهى.

ولنا أن نقول : إِنّ من قال بجواز صيام السبت مقروناً مع غيره في النافلة؛ قد سوَّى بين الجمعة والسبت، وأنّى له هذا؟! وكأنّ لسان حاله يقول : لو قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تصوموا يوم الجمعة إِلا فيما افترض عليكم" لأغنى عن كلّ نصوص الجمعة، ومعاذ الله من ذلك.

ثمَّ إِنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الجمعة ما لم يَقُل في السبت، فممّا قاله في الجمعة -كما تقدّم-: "إِلا أن يكون في صومٍ؛ يصومه أحدكم (1) ".

وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صيام يوم الشكّ: " ... إِلا أن يكون رجل كان يصوم صومه؛ فليصم ذلك اليوم" (2)،

فلو جاز صيام السبت لغير فريضة؛ لجاءت الاستثناءات كما جاءت في الجمعة ويوم الشكّ والنصف من شعبان؛ لمن اعتاد الصيام، والله -تعالى- أعلم...... إلى أن قال :

إِنَّ من لم يصم السبت لغير فريضة؛ لم يُعارض هذه النصوص أبداً، وهذا يتمشّى مع القاعدة المعروفة "الحاظر مقدّم على المبيح" .

جاء في كتاب "الاعتبار" للعلاّمة الحازمي -رحمه الله- (ص 39) إِشارة إِلى أنه في غير السبت : " ... ولأنّ الإِثم حاصل في فِعل المحظور، ولا إِثم في ترْك المباح، فكان الترك أولى".

وقال -رحمه الله- (ص 35): في وجوه الترجيح : " ... أن يكون أحد الحديثين قولاً والآخر فِعلاً، فالقول أبلغ في البيان؛ ولأنّ النّاس لم يختلفوا في كون قوله حُجّة، واختلفوا في اتباع فِعله، ولأنّ الفِعل لا يدلّ لنفسه على شيء؛ بخلاف القول فيكون أقوى". ويكون قد نجا من عمل بلا ثواب ولا عقاب "لا لك ولا عليك".

وقال شيخنا -رحمه الله- بعد حديث: "لا تصوموا يوم السبت ... " : والحديث ظاهره النّهي عن صوم السبت مطلقاً إِلا في الفرض، وقد ذهب إِليه قومٌ من أهل العلم كما حكاه الطحاوي، وهو صريحٌ في النهي عن صومه مفرداً، ولا أرى فرقاً بين صومه -ولو صادف يوم عرفة أو غيره من الأيّام المفضَّلة- وبين صوم يوم من أيّام العيد إِذا صادف يوم الاثنين أو الخميس؛ لعموم النهي، وهذا قول الجمهور فيما يتعلّق بالعيد؛ كما في "المحلّى" (7/ 27).

وقال الشيخ محمود مهدي إِستنبولي -رحمه الله- في كتابه "صوم رمضان" (ص 49) : "قلت : والحديث صريح في النهي القطعيِّ عن صومه، ولم يُشِر إِلى كونه منفرداً أو مخصوصاً، فالحمل للحديث على ظاهره هو الأصل. والله أعلم".

ويذكّرنا شيخنا -رحمه الله- بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنّك لن تدَع شيئاً لله عز وجلّ إلاَّ بدّلك الله به ما هو خيرٌ لك منه". (سنده صحيح على شرط مسلم) فلا يحزنك أنّك لم تصم عرفة أو عاشوراء إِذا وافق السبت؛ لهذا الحديث .

ويحضرني في هذا المقام ما قاله البخاري -رحمه الله- في "صحيحه" "ما يُذكَر في الفخِذ ... وقال أنس : حسر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن فَخِذه (2)، وحديث
أنس أسند، وحديث جَرهد (1) أحوط، حتى يُخرَج من اختلافهم". انظر "الفتح" (1/ 478). وفي المسألة تفصيل أكثر، أكتفي بما ذكرتُ والله -تعالى- أعلم.

ولا ينبغي أن تؤدّي هذه المسائل إِلى التدابر والتباغض والولاء والبراء! قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (14/ 376) -بعد ذِكْر مسألةٍ يرى فيها أنّ أحد الأئمة الأعلام قد أخطأ في اجتهاده-: "ولو أنَّ كلَّ مَن أخطأ في اجتهاده -مع صحة إِيمانه، وتوخّيه لاتّباع الحق- أهدرناه، وبدَّعْناه، لقلَّ من يَسْلَم من الأئمّة معنا. رحم الله الجميع بمنّه وكرَمه"انتهى كلامه

وإليك الفهم الصحيح للنص حتى من العلماء الذين لم يأخذوا به

قال شيخ الإسلام رحمه :

...ولا يقال : يحمل النهي على إفراده لأن لفظه : "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" والإستثناء دليل التناول وهذا يقتضي أن الحديث عم صومه على كل وجه وإلا لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثني فإنه لا إفراد فيه فاستثناؤه دليل على دخول غيره.  بخلاف يوم الجمعة، فإنه بين أنه إنما نهى عن إفراده.أهـ (الإقتضاء ص 75)

قال الشيخ الألبانى رحمه الله : 

وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفرداً يأباه قوله : " إلا فيما افترض عليكم " فإنه كما قال ابن القيم في (تهذيب السنن) :  دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفرداً أو مضافا لأن الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد لقال لا تصوموا يوم السبت إلا ان تصوموا يوما قبله أو يوما بعده كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون فيها بالفريضة علم تناول النهي لما قابلها .أهـ 

قلت (الالباني) : وأيضا لو كانت صورة الإقتران غير منهي عنها لكان إستثناؤها في الحديث أولى من إستثناء الفرض لأن شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الإقتران فإذا إستثنى الفرض وحده دل على عدم استثناء غيره كما لايخفى .انتهى من كتاب (تمام المنة ص (406))

وقال أيضا رحمه الله :

 فقد ظهر لي أن الأقرب أنه لايشرع صيامه مطلقا إلا في الفرض مشياً مع ظاهر الحديث لأنه نهى أولاً نهياً عاماً ثم استثنى الفرض فقط ثم أكد الأمر بإفطاره في غير الفرض بقوله : " فإن لم يجد أحدكم إلا ....".انتهى (صحيح الترغيب ص607) .

قال العلامة العثيمين رحمه الله :

 " وقوله إلا فيما افترض عليكم " استثناء يدل على أن ما قبله عام لأن لدى أهل العلم قاعدة يقولون : " إن الإستثناء معيار العموم " " معيار " يعني : ميزانا يعني : أنه إذا جاء اللفظ فيه استثناء فما قبل المستثنى عام وإلا لم يكن للإستثناء فائدة فإذا جاء شيء عام واستثني منه شيء فاعلم أنه عام فيما عدا المستثني .انتهى

وقال رحمه الله : 

أن ظاهره تحريم صوم هذا اليوم مطلقاً سواء ضم إليه ما قبله أو ما بعده أو لم يضم من أين يؤخذ أن ظاهره التحريم؟ 

أولاً : من النهي .

ثانياً : من التأكيد على فطره مع أن الرسول ما قال : إلا أن تصوموا يوماً قبله أو بعده .انتهى

وقال رحمه الله : 

.....فعدم إمكان الجمع ظاهرحيث إنه لا يمكن الجمع بينه وبين حديث أبي هريرة وحديث جويرية لأن ظاهره التحريم مطلقاً وظاهرهما الجواز إذا ضم إليه يوم الجمعة ..أهـ. (شرح بلوغ المرام )

وقال الشيخ محمد بازمول حفظه الله :

 والحديث يدل بظاهره على تحريم صيام يوم السبت في التطوع مطلقاً ووجه الدلالة : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام السبت ثم خصص من النهي صيامه فيما " افترض الله " فبقي ما عدا محل التخصيص على التحريم .

وقال : والحديث استثنى من النهي صوم يوم السبت فيما افترض الله بقوله صلى الله عليه وسلم : " إلا فيما افترض الله " وبقيت الصور الأخرى تحت النهي فلا يجوز صيام يوم السبت لا مفردا ولا مقترنا في غير ما افترض الله .أهـ ( الترجيح ص89)

(فهذا هو المفهوم الصحيح فعض عليه بالنواجد) وإن كان من نقلنا عنهم هذا الفهم الصحيح يذهبون لغير ذلك لإعتقاد التعارض أو لتضعيفهم للحديث وقد تم الرد عليهم فيما تقدم .

إذن قد بينا لك أخى الكريم

أن الأكابر من أهل العلم لم يختلفوا فى فهم النص فقالوا جميعا أن النص يدل على تحريم صوم الفرض فى غير الفريضة ولكن اختلافهم فى تصحيح الحديث لذا لم يقولوا به ولقد رددنا عليهم فى تضعيفهم للحديث وأن الحديث صحيح لا شك فيه لذا وجب العمل به إذن الحديث ثابت ( ومعناه ودلالته واضحة قال بها كثير من أهل العلم ) وإن لم يعملوا به لأسباب فإذا ثبت الفهم وجب العمل .

قال ابن القيم رحمه الله :

....لا تقدم على ما جاء به ( المعصوم ) قول أحد ولا رأيه كائنا من كان بل تنظر في صحة الحديث أولا فإذا صح لك نظرت في معناه ثانيا فإذا تبين لك لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق المغرب ومعاذ الله أن تتفق الأمة على مخالفة ما جاء به نبيها بل لا بد أن يكون في الأمة من قال به ولو لم تعلمه فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله بل أذهب إلى النص ولا تضعف واعلم أنه قد قال به قائل قطعا ولكن لم يصل إليك .انتهى من ( كتاب الروح)

وقال العلامة الألباني رحمه الله :

فإذا ثبت الحديث عن رسول الله وكان صريح الدلالة وجبت المبادرة إلى العمل به ولا يتوقف ذلك على معرفة موقف أهل العلم منه كما قال الإمام الشافعي : "يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه وإن لم يمض عمل من الإئمة بمثل الخبر الذي قبلوا إن حديث رسول الله يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده".

قلت : فحديث رسول الله أجل من أن يستشهد عليه بعمل الفقهاء به فإنه أصل مستقل حاكم غير محكوم .انتهى (مناسك الحج ص (32))

إذن يتلخص مما سبق

1- صوم الجمعة لا يجوز مفردًا .

2- إذا أردت أن تصوم الجمعة فيجب أن تصوم معه يوم الخميس وليس السبت لأن حديث النهي عن السبت رفع الإباحة التي جاءت في حديث جويرية .

3- أما إذا صمته جاهلاً أو غافلاً، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلَّم- قد أعطى رخصة في صيام السبت مع الجمعة وهي الحالة التي يكون فيها صيام السبت (لا عليك) لأنه مخرج من تحريم إفراد الجمعة .

4- أمَّا إذا صام المرء السبت مفردًا جاهلاً أو غافلاً، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعط في هذه الحالة الرخصة في صوم يوم بعده، وقد كان بوسعه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للصماء كما قال لجويرية -رضي الله عنهما-: ((تريدين أن تصومي غدا؟))، بل قال لها : (( ‏فكلي فإن صيام يوم السبت لا لك ولا عليك ))، وكما في الحديث الآخر : ((وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه)) تأكيدًا في النهي، ولا يجوز له -صلى الله عليه وسلم- تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهنا يظهر معنى ((لا لك في الحديث)) .

---------------------------------------------------------

وإليك أيضا رد ماتع على المجيزين

قال المانعون من جوازه 

إنَّ التخصيص نوعان : 

متصل : وهو ما لا يستقل بنفسه .

وتخصيص منفصل : وهو ما يستقل بنفسه.

 فالمتصل لا يستقل بنفسه في إفادة معناه بل يكون متعلقا بما اتصل به من الكلام كالإستثناء والشرط والغاية . والمنفصل وهو ما يستقل بنفسه في إفادة معناه.

 ولنضرب مثالا في قطع يد السارق :

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا " .أخرجه الشيخان فليس كل مَنْ سرق تقطع يده بل السرقة مقدّرة بربع دينار فصاعدًا وهذا التخصيص من نوع المتصل لكن مقدار الحد الذي يُقطع منه : لم يُذكر في هذا الحديث وإنَّما ذُكر بدليل خارج عن هذا النص ألا وهو كما بينت السنة بفعله صلى الله عليه وسلم أو فعل أصحابه وإقراره فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل كما هو معروف في كتب الحديث وبينت السنة القولية اليد المذكورة في آية التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} .[النساء: 43، المائدة: 6] بأنها الكف أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : " التيمم ضربة للوجه والكفين ".أخرجه الشيخان ,

فهل يقول قائل : أنا لا أتقيد بهذا الحديث وبهذا الإقرار لأنَّ الله تعالى يقول : "والسارق والسارق فاقطعوا أيديهما". فكل مَنْ سرق يجب أن تقطع يده كلها من الكتف , لأنَّه لو كان هناك مقدار للمال الذي تُقطع به اليد، ومقدار للحد الذي تُقطع منه لبينه الله تعالى! , فلا أظن أن أحدا يقول بهذا إلا مَن جهل ذلك الحديث وذلك الإقرار .

فنقول : 

وكذلك الإستثناء من صيام يوم السبت وإن لم يرد ذكره في تلك الأيام المستحب صيامها، لكنه ذُكر في دليل خارج عنها ألا وهو: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم)).

فإن قال قائل :

 لماذا لم تقبلوا الإستثناء في النهي عن صيام يوم السبت مفردا أو إذا لم يقصد صومه بعينه ؟

قيل لهم :

 نحن رفضنا ذلك الإستثناء لا لأنَّه ورد بدليل منفصل ولا نقبل إلا المتصل بل لأنَّ الاستثناء الذي ادعيتموه هو مجرد رأي وليس نصاً من كلام الشرع فلم يقل صوموا هذه الأيام وإن وافقت يوم السبت بل جعل لنا قاعدة ثابتة تُنزّل على كل الأدلة العامة التي تقدم ذكرها والقاعدة هي (( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم )). وهذا متناول لكل صور التطوع فأيهما أبلغ بياناً أن يذكر النبي ﷺ مع كل حديث ورد في استحباب تلك الأيام الفاضلة عبارة : "إلا إذا كان يوم السبت فلا تصوموا". والأحاديث كثيرة كما لا يخفى.

 أم أن يقول : 

"لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم". هكذا فتصبح قاعدة عامة تبيّن للمسلم : أنَّ صيام التطوع مشروع في كل أيام السنة إلا في يوم السبت لأنه منصوص عليه بعينه بنص خاص

قال الشيخ الألبانى فى ((الصحيحة ))(733/2) : 

فلا يجوز أن نضيف إليه قيدا آخر غير قيد الفريضة كقول بعضهم : (إلا لمن كان له عادة من صيام أو مفردا) فإنه يشبه الإستدراك على الشارع الحكيم ولا يخفى قبحه ".انتهى 

وانظر إلى فقه الصحابة رضي الله تعالى عنهم فعن عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ : نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَالَ : أَظُنُّهُ قَال : الِاثْنَيْنِ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : " أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺعَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ أخرجه البخاريولايفوتك أنَّ هذا الرجل الذي جاء يسأل ابن عمر قد نذر أن يصوم يوماً فوافق يوم العيد ومسألة النَّذر المعيَّن مختلفٌ فيها كما ذكر ابن قدامة فيما سبق عنه ومع هذا أجابه بما فَهِمَ منه السائل المنع من صومه .

كما إنَّ هذه الأدلة الدالة على استحباب تلك الأيام عامة بمعنى : أنَّها على مدار أيام السنة السبت والأحد إلى آخر أيام الأسبوع وحديث : (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) خاص في حكم صيام يوم السبت فيكون الجمع : أنَّ هذه الأيام يشرع صيامها على مدار أيام السنة إلا في أوقات النهي كالعيدين ويوم السبت ولمن صام الجمعة بمفردها.

قال الشوكاني في ((إرشاد الفحول)) :

 " وقد تقرر أن الخاص أقوى دلالة من العام والأقوى أرجح وأيضا إجراء العام على عمومه إهمال للخاص وإعمال الخاص لا يوجب إهمال العام ".انتهى .أي : لا يهمل العام مطلقا إلا في بعض صوره فإن صادف صوم له فضيلة يوم السبت لم يًشرع كما واضح . 

كما أن الأدلة التي احتج بها المجيزون لصيام السبت :

منها ما هو ضعيف مثلحديث أم سلمة وعائشة وهما غير صالحين للإحتجاج بهما كما تقدم آنفا .

ومنها ما هو صحيح لكنه عام وحديث النهي عن صيام السبت في غير الفرض خاص وحمل العام على الخاص متعين وقد ذكرنا وجوه الرد على تلك الأحاديث .

وأما القول : لماذا لم تقبلوا توجيهنا لحديث النهي عن صيام السبت أنه لأجل تخصيصه بالصيام؟!

جوابه :

لو كان المقصود من النهي تخصيص السبت بالصيام لكان الحديث جاء بلفظ : لا تخصوا يوم السبت بصيام كما هو الحال في يوم الجمعة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو مقرر. فعن محمدِ بنِ عبَّادٍ، قال : ((سألتُ جابرًا رَضِيَ اللهُ عنه : نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صَومِ يومِ الجُمُعةِ؟ قال : نعم))البخارى ومسلم . وروى مسلم ( 1144 ) : من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ : (( لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ )). والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أفصح العرب فلو كان يريد النهي عن تخصيص السبت بصيام لذكره صريحا كما هو الحال في نهيه عن تخصيص الجمعة بصيام أو قيام !.

قال العلامة الالبانى رحمه الله :

بعد أن نهى الرسول ﷺ عن صيام يوم السبت : استثنى ، فقال : ( إلا فيما افترض عليكم ). وحينئذٍ صار عندنا نهي عن صيام يوم السبت يعني نلخص الحديث وما نرويه بتمامه خلاصته أن الرسول عليه السلام نهى عن صيام يوم السبت إلا في الفرض فإذا قال قائل ـ كما نسمع ـ لا  وإلا في عاشوراء ـ استثناء ثاني ـ وإلا في عرفة وإلا في الأيام البيض .

 الله أكبر !! أنا لا أتصور مسلماً يدري وينتبه إلى ما يخرج من فمه أنه يتجرأ أن يقول هذا الكلام رسول الله يقول : ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ). وهو يقول إلا (كذا وإلا كذا وإلا كذا) !!

 هذا أليس استدراكاً على رسول الله؟!! أليس معنى ذلك ـ لا سمح الله ـ أن هذا الذي يقول هذا الإستدراك الثاني والثالث والرابع لسان حاله يقول أن الرسول عليه السلام لا يعرف أن يتكلم ؟! لأنه جلب نهياً عاماً واستثناءً واحدًا وكان عليه أن يجلب كلمة تشمل هذه الأنواع وهذه المستثنيات الأخرى التي يقولها هؤلاء الجماعة .

تصور طالب العالم العاقل المتجرد عن الهوى تصوره لهذا الكلام يكفي له أن يقول تبتُ إلى الله ورجعت إليه مما كنت أقول وصدق رسول الله حين يقول : ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم )

 بعد هذا العنوان

 نأتي بصورة سترون هؤلاء المتحمسين بهذه الاستثناءات الثلاثة وأقولها بعبارة أخرى المستدركين على رسول الله سيتراجعون في مسألة أخرى نقول لهم :

 إذا صادف يوم عيد يوم السبت هل تصومونه ؟ يوم النحر ؟ وثلاث أيام بعده؟ لابد في سنة من السنين سبق أنه في يوم الاثنين أو الخميس صادف بلا شك هل نصوم يوم الاثنين إذا صادف يوم عيد؟

 سيكون الجواب بالإجماع :

 لا ، سنقول لهم لماذا ؟ سيقولون : هذا منهي عنه . ما الفرق بين صيام يوم السبت وهو منهي عنه وبين صيام يوم عيد من أيام العيد صادف يوم الاثنين وهو مرغوب بصيام يوم الاثنين  مرغوب في صيام يوم الخميس لكن لما صادف يوماً نُهي عن صيامه ماذا كان موقف العلماء ؟ غلّبوا النهي على الإباحة . فقالوا :

نحن لا نصوم الاثنين والخميس لمصادفة هذا اليوم أو ذاك ليوم العيد وهو منهي عن صيامه لا فرق أبداً بين نهي الرسول عن يوم السبت وبين نهي الرسول عن صيام أربعة أيام العيد فما هي القاعدة التي لجأ إليها هؤلاء الذين يذهبون إلى الإستدراك على الرسول عليه السلام فقالوا بجواز صيام يوم السبت إذا وافق يوماً فاضلاً كيوم عرفة مثلاً ؟ فماذا يقولون هؤلاء في صيام يوم الاثنين ويوم الخميس وهما من الأيام التي يستحب صيامها ؟ 

هؤلاء إن كانوا فقهاء سيجيبون بكلام علماء الأصول سيقولون لمّا تعارض النهي مع الإباحة قُدِّم النهي على الإباحة أيام العيد منهي عن صيامها يوم الاثنين ويوم الخميس مباح صيامه ومرغوب فيه. فإذا تعارض المبيح مع المحظور قُدِّم المحظور على المبيح نفس القاعدة نحن طبقناها هناك في صوم يوم السبت . 

السائل : حتى لو كان صوم يوم قبله أو بعده؟ 

الشيخ : نفس النتيجة يا أخي نفس النتيجة يعني مثل ما يقول ابن حزم الله يرحمه : " هذا حكم زائد جاء به الشارع يجب أن نخضع له ".  والقاعدة واحدة قدم الحاظر على المبيح فيما يتعلق بصيام يوم السبت فيما يتعلق بصيام يوم العيد الحاظر مقدم على المبيح .

أخيراً نقول شيئاً 

كثير من الناس يتوهّمون أنهم إذا صادف يوم السبت يوم عاشوراء أو يوم من أيام الفضيل أنهم إذا ما تركوا صيام ذاك اليوم يوم السبت فاتهم خير كبير ك : ( صوم يوم عاشوراء يكفّر سنة ماضية ) ( صوم يوم عرفة يكفّر الماضية والآتية ). كيف نخسر هذه الفضيلة وتلك ؟

 الجواب : 

 لو كانوا يعلمون في قوله عليه السلام : ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراَ منه ) نحن ما صمنا يوم السبت لماذا ؟ لأنه زهداً في صيام يوم عرفة وفي صيام يوم عاشوراء وفي صيام أي يوم فضيلة من الأيام البيض مثلاً ؟ 

ليس زهداً وإنما طاعة لله ولرسوله إذًا صدق فينا هذا الحديث( من ترك شيئاً لله ) شيئاً هنا : مثلاً شيئاً في الآية السابقة : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول )) من ترك شيئاً مطلق أي شيء من هذه الأشياء تركنا صيام يوم السبت مع أنه صادف يوم عرفة لماذا ؟ لله لأنه نهانا على لسان نبيه.

 إذاً نحن خير من أولئك الذين صاموا يوم عاشوراء وإن شاء الله استحقوا أن يغفر الله لهم السنة الماضية والسنة الآتية  نحن الذين نستحق إن شاء الله بنص هذا الحديث نحن عملنا بحديثين حديث فيه فضيلة ،وحديث فيه نهي هم عملوا بحديث فيه فضيلة وأعرضوا عن الحديث الذي فيه نهي .

فنحن واقعين بين الأجرين والأجر إن شاء الله وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين . انتهى .(سلسلة الهدى والنور شريط عدد (154))

وينظر أيضا : تتمة لجواب الشيخ الألبانى رحمه الله عن حكم صيام يوم السبت إذا صادف يوم فاضل؟

 فباختصار

ما ورد في من نصوص المقال التى تُجيز فهي نصوص عامة خصصها حديث النهي عن صيام السبت كما خصص النهي عن صيام يوم العيد صيام داود وبعضها هي من فعل الرسول الله عليه وسلم والقول مقدم على الفعل عند التعارض والحاظر مقدم على المبيح.

وكذلك يقال أن حديث النهي عن صيام السبت ناقل عن أصل بمعنى أنه من البديهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهى عن صيام السبت بداية الأمر ثم نهى عنه فهذا ناسخ للإباحة ولم يثبت عندنا أن النهي نسخ ايضا .

يقول شيخ الاسلام :

"إذا تعارض نصان ناقل وباق على الاستصحاب فالناقل هو الراجح .انتهى (مجموع الفتاوى (25 /224))

ويقول ابن حزم في المحلى (7/520) :

نعم والأصل إباحة الشرب على كل حال من قيام وقعود واتكاء واضطجاع فلما صح نهى النبي ﷺ عن الشرب قائما كان ذلك بلا شك ناسخا للاباحة المتقدمة ومحال مقطوع أن يعود المنسوخ ناسخا ثم لا يبين النبي ﷺ ذلك إذا كنا لا ندري ما يجب علينا مما لا يجب وكان يكون الدين غير موثوق به ومعاذ الله من هذا وأقل ما في هذا على أصول المخالفين أن لا يترك اليقين للظنون وهم على يقين من نسخ الاباحة السالفة ولم يأت في الاكل نهى إلا عن أنس من قوله .انتهى

وأختم بنصيحة الشيخ العثيمين رحمه الله :

إذا ورد النهي فاجتنبه ولا تسأل : هل هو للتحريم أو للكراهة؟ إذا ورد الأمر فاتبعه ولا تسأل : هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ فالصحابة رضي الله عنهم إذا أمرهم الرسول بشيء ما يقولون : يا رسول الله هل قصدت الوجوب أو الاستحباب، يفعلون على طول .

....... فنصيحتي لكل مؤمن إذا سمع أمر الله ورسوله أن إيش؟ أن يقول : سمعنا وأطعنا ويفعل، وإذا سمع النهي أن يقول : سمعنا وأطعنا ويترك، ولا يخاطر بنفسه، وأشد الناس انقياداً لأمر الله ورسوله هم أقوى الناس إيماناً، (( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) اطلب هذا اطلب الفلاح.

ثم إنك إذا فعلت المأمور سواء واجب ولا غير واجب طاعة لله ولرسوله ازداد قلبك إشراقاً وإيمانك قوة وصرت مع شرع الله أمراً ونهياً، لكن إذا صرت تتعنت هل هو واجب ولا غير واجب! فهذا أمر لا ينبغي، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على الطاعة. انتهى باختصار (سلسلة لقاء الباب المفتوح-(160))

ولمن يريد الإستزادة فهناك رساله باسم ( الإعلام بما تضمنه حديث آل بسر من الأحكام ).


والله اعلم


وللفائدة..



هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات